مئة يوم بلش بلش يتعمر… بلش لبنان

كتب جو رحال في “موقع لبنان الكبير”:
في بلد أثقلته الأزمات المتتالية، لم يكن انتخاب قائد الجيش السابق، الرئيس جوزاف عون، مجرد انتقال دستوري للسلطة، بل مثّل لحظة فاصلة بين لبنان المنهار ولبنان الممكن. منذ اليوم الأول، اختار عون مساراً هادئاً، عقلانياً، وخارجاً عن المألوف اللبناني القائم على الشعبوية والمناكفات. مئة يوم مرّت، قد لا تكفي لصنع المعجزات، لكنها كانت كفيلة بوضع أسسٍ صلبة لاستعادة الدولة وهيبتها.
منذ اللحظة الأولى، أعاد الرئيس تثبيت موقع رئاسة الجمهورية كمرجعية ضامنة ومظلة فوق الخلافات. حرص على احترام الدستور وتفعيل العلاقة بين الرئاسات الثلاث، فكان حضوره توافقياً وليس تصادمياً. لم ينجرف إلى الخطابات الحماسية، بل اختار لغة مسؤولة تؤسس لثقة مفقودة بين المواطن والدولة.
أمنياً، لم يستخدم خلفيته العسكرية لفرض منطق القوة، بل سعى الى ترسيخ الاستقرار عبر ضبط الفوضى، وتعزيز التنسيق بين الأجهزة، ومواجهة التهريب والمخدرات بحزم. الأهم، أنه أكد التزامه الكامل بحرية التعبير والاحتجاج السلمي، ما ساهم في خفض التوتر الشعبي وتثبيت الاستقرار.
في الادارة، بدأ بورشة تنظيف داخل المؤسسات. أعطى أولوية لمحاربة الزبائنية وتفعيل الرقابة، وشجع على الانتقال نحو الرقمنة والشفافية في التوظيف والتعيين. استعاد هيبة الادارات عبر دعم المفتشين والقضاة ورفع الغطاء عن الفاسدين، وفتح الباب أمام إعادة هيكلة شاملة تبدأ من القاعدة.
الملف الاقتصادي لم يُعالج بوصفات جاهزة. الرئيس عون فتح باب التفاوض مجدداً مع صندوق النقد، لكنه شدد على خطة تعافٍ واقعية تحمي المودعين والطبقة المتوسطة. ركز على دعم الإنتاج المحلي، خصوصاً في القطاعات الزراعية والصناعية، كخطوة نحو تقليص الاعتماد على الاستيراد. واستعاد الثقة الدولية من خلال إشارات إصلاحية مدروسة وموقف متماسك تجاه ملفات الهدر.
في السياسة الخارجية، تبنّى نهج “لبنان أولاً”. أعاد ترميم العلاقات العربية، وخصوصاً مع الخليج، من دون تنازلات سياسية. فعّل حضوره الدولي بزيارات إلى السعودية وباريس، مؤكداً حياد لبنان وانفتاحه، من دون الوقوع في لعبة المحاور. وفي ملف النزوح، اقترح مقاربة تقوم على العودة الآمنة والمنظمة، مع احترام المعايير الدولية والسيادة الوطنية.
الجانب الاجتماعي لم يُهمَل، بل وُضِع ضمن مقاربة شاملة للعدالة الاجتماعية. دعم الرئيس مشروع “السجل الاجتماعي الموحد”، وفعّل التعاون مع المنظمات الدولية لضمان الوصول العادل إلى التعليم والرعاية الصحية. كما سعى إلى تمكين الفئات المهمّشة عبر برامج موجّهة للمرأة، والشباب، وذوي الاحتياجات الخاصة، وركّز على تنمية المناطق الطرفية.
المرحلة المقبلة ستكون مفصلية، إذ يضع الرئيس في سلم أولوياته إنجاز الاستحقاقات الدستورية في مواعيدها، لا سيما الانتخابات البلدية والنيابية. كما يعمل على إعادة هيكلة قطاع الكهرباء والمصارف، وإطلاق حوار صريح حول حصر السلاح في يد الدولة واللامركزية، وحصانة المؤسسات.
مئة يوم ليست زمناً كافياً للإنجازات الكبرى، لكنها كانت كافية لإثبات أن الدولة ما زالت قابلة للحياة إذا وُجدت الإرادة والقيادة. الرئيس جوزاف عون لم يَعِد بما لا يستطيع تحقيقه، لكنه أعاد إحياء فكرة أن الحكم ممكن، وأن الإصلاح يبدأ حين يتوقف الزيف.
هذه المئة يوم ليست خاتمة، بل بداية لمسار طويل يُبنى بصمت، لكن بإصرار.