هل أبطل المجلس الدستوري قانون التعويضات؟

كتبت فاتن الحاج في الأخبار:
لم يكد يوم واحد يمضي على قرار المجلس الدستوري القاضي بعدم نفاذ قانون تغذية صندوق تعويضات المعلمين في المدارس الخاصة (القانون الرقم 2)، ولا سيما بعد قبوله الطعن المقدَّم من رئيس الجمهورية جوزيف عون بشأن آلية إصدار القانون في ظل الشغور الرئاسي، حتى عاد القانون نفسه ونُشر مجدّداً في الجريدة الرسمية، لكن بنسخته المعدّلة التي أقرّتها الهيئة العامة لمجلس النواب في جلستها الأخيرة، بعدما وقّعه الرئيس عون نفسه.
هذا المشهد، الذي يعكس فوضى تشريعية واضحة، أثار التباساً كبيراً لدى المعنيين: هل يُعتبر القانون باطلاً بسبب خلل جوهري في مسار إقراره؟ أم أن إعادة نشره – حتى بعد انقضاء المهلة الدستورية الممنوحة لرئيس الجمهورية لإصداره – كفيلة بإضفاء شرعية قانونية عليه؟ وما هو مصير التعديلات التي نُشرت أخيراً في الجريدة الرسمية؟ وهل يدفع الأساتذة المتقاعدون ثمن التباين المُزمن في تفسير الدستور وآليات إصدار القوانين بين المؤسسات الدستورية؟
ويعود هذا اللغط، بحسب مصادر قانونية، إلى حالة الشغور الرئاسي وما تخلّفه من ارتباك في الإجراءات التشريعية، ولا سيما حين تؤدي إلى تداخل في الصلاحيات بين السلطات. ولفتت إلى أن «قرار المجلس الدستوري الأخير أضاء على ثغرات دستورية عميقة، كاشفاً كيف أن التعاطي الاعتباطي مع النصوص القانونية، في غياب المرجعيات الحاسمة، قد يحوّل قوانين تمسّ حياة المواطنين اليومية إلى مصدر إضافي للأزمات المجتمعية، بدل أن تكون أداة لحلّها».
وفي تفاصيل القضية، أنه في كانون الأول 2023، أقرّ مجلس النواب قانون دعم صندوق التعويضات، وصادق عليه مجلس الوزراء وكالةً عن رئيس الجمهورية، خلال فترة الشغور الرئاسي.
إلا أن رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي امتنع عن نشر القانون في الجريدة الرسمية، مبرّراً ذلك بضرورة إعادة النظر في مضمونه. لاحقاً، عاد وتراجع عن قراره، وأحال القانون مجدّداً إلى المجلس النيابي في كانون الثاني 2024. هذا التعاطي المرتبك أنتج سابقة قانونية خطيرة، إذ تحوّلت قوانين مقرّة إلى ما يشبه «مسوّدات قابلة للإلغاء المتكرر»، ما فتح الباب أمام الطعن فيها أمام المجلس الدستوري.
وبدوره، لم يرَ المجلس في القانون مخالفة للمبادئ الدستورية الجوهرية، بل اعتبره غير نافذ بسبب خلل في إجراءات الإصدار، إذ تبيّن أن النشر تمّ قبل انقضاء المهلة الدستورية الممنوحة لرئيس الجمهورية لإصدار القوانين، كما تنص المادة 57 من الدستور.
حتى الساعة، لا يزال الغموض يكتنف آلية احتساب «مهلة الشهر» الممنوحة دستورياً لإصدار القوانين، في ظل الشغور الرئاسي، إذ تختلف الجهات المعنية حول موعد بدء سريان المهلة: هل يُحتسب من تاريخ الإقرار في المجلس النيابي؟ أم من تاريخ الإحالة إلى الحكومة؟ أم من لحظة النشر في الجريدة الرسمية؟
هذا الالتباس، وفق مصادر قانونية، حوّل النصوص الدستورية إلى ساحة مفتوحة للتأويلات المصلحية، ما فاقم الأزمة الدستورية، خصوصاً بعد تدخّل مجلس شورى الدولة وقراره بوقف تنفيذ إحالة القوانين المعادة إلى المجلس النيابي، ما أضفى مزيداً من التعقيد على المشهد. فما هو الحل؟
يُوضح عضو المجلس التنفيذي في نقابة المعلمين، باتريك رزق الله، أن المجلس الدستوري لم يُبطل قانون دعم صندوق التعويضات، بل أعلن فقط عدم نفاذه بسبب خلل في إجراءات إصداره.
ويؤكد أن الحل لا يزال ممكناً وبسيطاً، ويكمن في أن تستردّ رئاسة الجمهورية القانون من مجلس الوزراء، وتعيد إصداره ثم نشره مجدّداً في الجريدة الرسمية في أسرع وقت ممكن، بما يسمح بتمويل الصندوق وتحسين رواتب وتعويضات الأساتذة المتقاعدين. ويشير رزق الله إلى أن هذا المسار بات أكثر إلحاحاً، ولا سيما بعد أن أقرّ مجلس النواب تعديلات على القانون، جرى التوافق بشأنها مع اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة، ما يعكس وجود أرضية مشتركة يُفترض البناء عليها سريعاً لتفادي تحميل المتقاعدين تبعات التخبّط الدستوري والتشريعي.