لبنان

مصر وقبرص على خطّ الوساطة

القاهرة – الأخبار:

تُكثّف مصر اتصالاتها الخارجية بشكل غير مسبوق في محاولة لاحتواء الحرب الجارية بين إسرائيل وإيران، وسط قلق متزايد من انزلاق الأوضاع نحو مواجهة إقليمية أوسع يصعب التحكّم في مآلاتها. وبحسب مصادر مصرية، فقد دخلت القاهرة على خط التهدئة، بـ«تنسيق دبلوماسي مكثّف، شمل قبرص بشكل خاص، إلى جانب قنوات مفتوحة مع الولايات المتحدة وروسيا والعراق، في مسعى لبناء توافق دولي يحول دون تفجّر حرب إقليمية شاملة».

وتضيف المصادر أن «مصر وقبرص بدأتا تأخذان موقعاً أكثر فعالية في جهود التهدئة، وهو ما يتماشى مع تنامي علاقاتهما الاستراتيجية، وخاصة في مجالَي الطاقة والتنسيق الأمني في شرق المتوسط»، لافتةً إلى أن «التموضع الجغرافي لقبرص وارتباطها بعلاقات متوازنة مع أطراف متعددة في الأزمة، قد يُمكّنانها عملياً من لعب دور الوسيط أو الداعم لمسارات خفض التوتر».

أما بالنسبة إلى القاهرة، فهي تُبدي حرصاً واضحاً على «تجنّب انفجار المواجهة»، وتسعى لـ«دفع المجتمع الدولي إلى التحرك في اتجاه وقف فوري للعمليات العسكرية»، وفقاً للمصادر التي تشير إلى أن «اللهجة التي تعتمدها مصر في اتصالاتها تميل إلى الواقعية، وتقوم على قاعدة أن استمرار التصعيد سيجرّ المنطقة إلى سيناريوات تصعب السيطرة عليها، في وقت تتعامل فيه إسرائيل بمنطق التوسيع والضربات الاستباقية، وتحاول الولايات المتحدة هندسة إطار جديد للتهدئة يُراعي مصالحها ومصالح حلفائها من دون الدخول في صدام مباشر مع إيران».

وتنقل المصادر عن دبلوماسيين مصريين مشاركين في هذه المشاورات، أن «كلّ الأطراف تُبدي استعداداً نظرياً للتهدئة، لكنّ الواقع على الأرض يعكس توجّهاً مختلفاً، خاصة مع تكرار الضربات الجوية والتصريحات التصعيدية من جانب إسرائيل». ومع ذلك، ترى القاهرة أن فرص التهدئة «لا تزال قائمة، لكنها تتطلب ضغطاً دولياً مباشراً على الأطراف المنخرطة في المواجهة، إضافة إلى تفعيل مسارات تفاوضية جدية، سواء عبر الأمم المتحدة أو عبر قنوات إقليمية برعاية أطراف، من مثل سلطنة عُمان».

وفي هذا السياق، تلقّى الرئيس عبد الفتاح السيسي، اتصالاً هاتفياً من نظيره القبرصي نيكوس خريستودوليدس، تناول الأوضاع الإقليمية، وفقاً للمتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، محمد الشناوي. وخلال الاتصال، جدّد السيسي رفضه توسيع دائرة الصراع في المنطقة، مشدّداً على «أهمية وقف العمليات العسكرية الإسرائيلية على مختلف الجبهات الإقليمية»، ومحذّراً من أن «استمرار النهج الحالي ستكون له أضراره الجسيمة على شعوب المنطقة كافة دون استثناء».

كما شدّد السيسي على «أهمية اضطلاع المجتمع الدولي بدور أكثر فاعلية في دفع الأطراف الإقليمية إلى التحلّي بالمسؤولية»، مؤكداً أن «الحلول السلمية تبقى الوحيدة القادرة على ضمان الأمن والاستقرار في الإقليم». كما دعا إلى «العودة إلى المفاوضات الأميركية الإيرانية برعاية سلطنة عمان الشقيقة، التي تمثّل الحل الأمثل للتوتر الجاري»، مكرّراً «موقف مصر الثابت بضرورة إقامة منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط، بما يشمل كلّ دول الإقليم».

وفي الإطار نفسه، تقول المصادر إن مصر تدرك أن «المواجهة الحالية تتجاوز غزة، وأن امتدادها ليشمل إيران وإسرائيل ينذر بتغيير شامل في بنية الأمن الإقليمي». ولذا، فإن التحرك المصري «لم يعد مقتصراً على الملف الفلسطيني، بل يشمل الآن رؤية أوسع تتعلق بضبط إيقاع التفاعلات الإقليمية، وتفادي انزلاق المنطقة إلى صراع طويل الأمد، وضرورة احترام القانون الدولي وسيادة الدول»، وسط تحذيرات من «مغبّة المساس بالأمن الإقليمي بدعوى الدفاع أو الانتقام».

وعلى خطّ مواز، تتزايد الضغوط الداخلية في مصر؛ إذ تبرز مخاوف اقتصادية متصاعدة بفعل انعكاسات التصعيد، الذي تقول مصادر ميدانية إنه «أثّر بشكل مباشر على الأسواق المصرية، فيما بدأت ملامح أزمة مالية جديدة تتشكّل، مع تراجع الجنيه المصري مجدّداً أمام الدولار». كما سجّلت البورصة المصرية تراجعاً حاداً في بداية جلسة الأحد بنسبة 7.5%، في أكبر خسائر يومية منذ عام 2020، قبل أن تُقلّص الخسائر إلى 5.2%. وخسرت الأسهم نحو 148 مليار جنيه من قيمتها السوقية، ما يعكس مدى القلق لدى المتعاملين المحليين والدوليين من تداعيات الحرب على الاقتصاد المصري.

كما ظهرت مؤشرات ضغط على قطاع الطاقة، خاصة بعد تأثر ضخ الغاز الإسرائيلي لمصر، ما دفع الحكومة إلى تفعيل خطط طوارئ تضمّنت تقليص إمدادات الغاز لبعض الصناعات، ومدّ الأردن بكميات مؤقتة لتأمين احتياجاته العاجلة. أيضاً، قرّرت الحكومة المصرية تأجيل افتتاح المتحف المصري الكبير، الذي كان مقرّراً نهاية الشهر الجاري، وذلك نتيجة لتراجع التوقّعات السياحية وتوتر الأجواء الإقليمية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى