تسوية بنك عودة والـ IFC انتهت قبل 4 أشهر: لماذا الحديث عنها الآن؟

كتبت الأخبار:
أثيرت في الأيام الماضية مسألة التسوية بين بنك عودة ومؤسسة التمويل الدولية من قبل مجموعات مصرفية وناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي.
وبدا أن هذه المسألة تستحوذ على اهتمام المودعين بعدما تضمنت التسوية تسديد 25% من قيمة القرض الذين يدين به المصرف للمؤسسة الدولية.
لكن مصادر في المصرف قالت لـ«الأخبار» إن التسوية أغلقت نهائياً قبل نحو أربعة أشهر بعلم مصرف لبنان وبموافقته، وإن إثارتها اليوم قد لا تكون سوى ردّ بعض المجموعات على التعميم الأساسي الذي أصدره حاكم مصرف لبنان كريم سعيد بعد عودته من واشنطن، والذي بموجبه منع المصارف من تسديد أي مدفوعات بالعملة الأجنبية للمودعين تتجاوز ما يدفع عبر التعميمين 158 و166.
تعود قصّة «الشراكة» بين مؤسسة التمويل الدولية وبين بنك عودة إلى سنوات ما قبل الأزمة. فالمؤسّسة أقرضت المصرف في 2014 مبلغ 150 مليون دولار، واستثمرت مع البنك في شراء أوديا بنك في تركيا في 2016. لكن قصّة القرض الذي منحته للمصرف استحوذت على حيّز واسع من الاهتمام لأنها ترتبط بمسألة أساسية تتعلق بمصير الودائع التي بلغت قيمتها في كل القطاع المصرفي نحو 84 مليار دولار.
كانت قيمة الفوائد السنوية المترتبة على المصرف تجاه المؤسسة تتجاوز 13 مليون دولار سنوياً، وكان يدفعها بشكل عادي، لحين الانهيار المصرفي والنقدي الذي انتقل من حالة توقف مبطّن عن السداد إلى حالة توقف معلن عن السداد في آذار 2020 مع إعلان الدولة اللبنانية التوقف عن سداد سندات اليوروبونودز.
ومذاك، أوقف المصرف تسديد الفوائد علماً أن أصل القرض يستحق في 2024. واستند المصرف في وقف الدفعات إلى بند في العقد يشير إلى أن الدفع مشروط بتوافر «أرباح قابلة للتوزيع» أو «أرباح حرّة». كما استند أيضاً إلى رسالة صادرة عن مصرف لبنان تمنعه من تسديد الدفعات.
وتراكمت المبالغ المترتبة على المصرف تجاه المؤسسة لتبلغ 256 مليون دولار في 2024، ما دفع المؤسسة إلى إطلاق مسار قانوني للمطالبة بالمبالغ المتوجبة على المصرف، ورفعت دعوى عليه أمام المحكمة العليا في لندن للمطالبة بكامل مستحقاتها التي تشمل أصل القرض وفوائده والغرامات المتراكمة.
ورغم أن المصرف ردّ بدعوى مضادة أبرز فيها الرسالة التي وصلته من مصرف لبنان والتي تمنعه من السداد، إلا أن فوز مؤسسة التمويل الدولية كان شبه محتوم.
في حينه، تدخّل حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري، مع المصرف وطلب منه معالجة الموقف سريعاً، على اعتبار أن فوز مؤسسة التمويل الدولية سيثير الكثير من البلبلة في أوساط المودعين وقد يكون حافزاً لإطلاق المزيد من الدعاوى ضدّ المصارف اللبنانية في الخارج وفي الداخل، فضلاً عن أنه يربك عمل مصرف لبنان الذي لم يكن في حينها قد اتخذ قراراً بالتدخل الحاسم في اتجاه التعامل مع توزيع الخسائر الناتجة من الانهيار المصرفي والنقدي.
لا بل يقال إن منصوري تدخل مع مؤسسة التمويل الدولية بشكل مباشر من أجل إنهاء هذه الدعوى بتسوية، على اعتبار أن فوز المؤسسة يتيح لها الحجز على أموال المصرف المودعة في الخارج لدى مصارف المراسلة.
وهذه الأموال المودعة في الخارج تمثّل جزءاً من الاحتياطات التي طلبها المصرف من كل المصارف لتغطية كامل الودائع الفريش وتغطية 3% من مجموع الودائع السابقة، بالإضافة إلى ما لديه من رساميل بالفريش جمعها المصرف من عمليات بيع عدّة من بينها بيع المصارف التي يملكها في الأردن ومصر وتركيا.
الناتج من عمليات البيع كان كبيراً وهو رأس مال المصرف الذي سيتيح له التحرّك مستقبلاً تجاه قضية المودعين وتوزيع الخسائر.
وبمعزل عمّا إذا كانت هذه الأموال كافية لتتيح له التعامل مع توزيع الخسائر، ولكنها كانت كل ما يملكه المصرف، الذي لا يمكنه الاستغناء عنه أو عن قسم أساسي منه. فهو مجبر من جهة أن يدفع 256 مليون دولار، أو سيتعرض للحجز على كامل الأموال التي يملكها في حساباته الخارجية بالإضافة إلى أي استثمارات لديه في الخارج.
بهذه الخلفية القلقة، اندفع المصرف نحو ترميم العلاقة مع مؤسسة التمويل الدولية. كان يحمل معه دعماً من منصوري، ولكن لم يكن كافياً له بأنه مع هذا الدعم قد يصل إلى خاتمة مفيدة نسبياً له. وعندما توصّل إلى تسوية تفرض عليه تسديد نسبة 25% من المبالغ المطالب بها (نسبة الـ25% غير دقيقة بحسب مصادر في المصرف ولكنها قريبة من الواقع)، عرض الأمر على منصوري طالباً منه عدم منع المصرف من تسديد الأموال المتوجبة عليه بموجب هذه التسوية. لم يعترض منصوري، فمضى المصرف قدماً بهذه التسوية وأنهاها قبل نحو أربعة أشهر.
إذاً، لماذا بدأ الحديث الآن عن هذه التسوية؟ تقول المصادر إن التزامن بين الحديث عن التسوية بين التعميم الأساسي 169 الذي أصدره حاكم مصرف لبنان كريم سعيد في 1 تموز 2025 بعد عودته بساعات من واشنطن حيث التقى ممثلي صندوق النقد الدولي لشرح رؤيته للتعامل مع القطاع المصرفي، هي الواقعة الفعلية التي يمكن الحديث عنها.
إذ يقال إن سعيد عاد بأجواء إيجابية أتاحت له إصدار التعميم 169 الذي يركّز على «تأمين المساواة في التسديد لودائع بالعملات الأجنبية»، وقد ورد في مبررات التعميم أن هناك دعاوى في الخارج على المصارف من مودعين يطالبون بالحصول على ودائعهم «وهذه المطالب في حال كونها صحيحة ومحقّة في مبدئها، غير أنه لا يمكن اعتبارها كذلك في الأزمات المصرفية إذ تحدث تمييزاً غير عادل بين المودعين، إذ يتم تفضيل المحظيين الذين يملكون مميزات خاصة بهم مقابل بقية المودعين في لبنان الذين لا تتوافر لهم ذات المعاملة التفضيلية، إذ تبقى ودائعهم محجوزة كلياً أو جزئياً».
وفي مواد التعميم، طلب سعيد من جميع المصارف العاملة في لبنان «الامتناع عن تسديد أي مبالغ من الحسابات بالعملة الأجنبية المكوّنة لدى أي منها قبل تاريخ 17/11/2019»، أي إنه قصد الودائع المحجوزة وليست تلك «الفريش».