ورقة برّاك: الدولة قالت كلمتها… فماذا يقول “حزب الله”؟

كتب جو رحال في نداء الوطن:
في لحظة سياسية مفصلية، حطّت على طاولة الرئاسات اللبنانية الثلاث ما بات يُعرف بـ”ورقة توم براك”، مبادرة جاءت بتنسيق أميركي – أوروبي – خليجي تحمل رسائل حاسمة تدعو لإنهاء حصرية سلاح “حزب الله” وإعادته بالكامل إلى سلطة الدولة اللبنانية. هذه الورقة، التي يعتبرها كثيرون الفرصة الأخيرة لوقف الانهيار الشامل، استندت إلى قناعة دولية بأن أزمات لبنان المالية والسيادية لن تجد مخرجًا مستدامًا من دون معالجة مسألة السلاح الموازي. تضمنت الورقة التزامًا واضحًا ببرنامج إعادة الإعمار وتعويض المتضررين في الجنوب، وصندوقًا تنمويًا مشروطًا، في مقابل جدول زمني لتسليم الأسلحة الثقيلة والمتوسطة تحت إشراف دولي وتطبيق القرار 1701 بلا استثناءات وضمانات أمنية تحول دون أي فراغ قد تستغله أطراف داخلية أو خارجية.
حتى اللحظة، لم يعلن “حزب الله” موقفًا قاطعًا، إذ يرى في الطرح تهديدًا لجوهر دوره في مواجهة إسرائيل وموقعه ضمن معادلات الإقليم، إلا أنه يواجه في المقابل ضغوطًا غير مسبوقة مع ضيق هوامش المناورة وتفاقم الأزمة المالية وارتفاع منسوب الضغط الشعبي والدولي، بينما حذرت الولايات المتحدة من أن مهلة الرد قصيرة وأن التسويف سيؤدي إلى عقوبات إضافية وحجب المساعدات وتجفيف مصادر التمويل. في المقابل، أبدت الدولة اللبنانية تماسكًا استثنائيًا، فعقدت الرئاسة والحكومة والبرلمان اجتماعات مكثفة بمشاركة مستشاري الرؤساء الثلاثة وصاغت مسودة موقف وطني موحد ينطلق من ضرورة توحيد قرار السلم والحرب بيد الدولة وحدها. هنا يبرز دور رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي يتحرك كقناة تواصل موثوقة تسعى لطمأنة قيادة “الحزب” إلى أن التسوية ليست انتصارًا لطرف على حساب آخر بل فرصة لحماية الأمن الجماعي وتثبيت مرجعية الدولة، فيما يعمل على بلورة صيغة تتيح لـ “الحزب” تقديم تنازل محسوب ضمن جدول زمني يراعي توازنات الداخل ويحصّن الساحة اللبنانية من أي انتكاسة.
في موازاة ذلك، يقود رئيس الحكومة نواف سلام مساعي تأمين توافق حكومي صلب بالتنسيق مع رئاسة الجمهورية التي ترى أن ورقة براك قد تشكّل لحظة تاريخية لتثبيت سيادة القرار الأمني وإنهاء ازدواجية السلاح، مع إدراك الجميع أن المفاوضات تتجاوز السلاح إلى صلب النظام السياسي ومستقبل العلاقة مع إيران، وهو ما يفسر إصرار “الحزب” على ضمانات مكتوبة تشمل انسحاب إسرائيل من النقاط المتنازع عليها وتأكيد حماية لبنان من أي فراغ أمني.
وبينما تتقلص الخيارات ويزداد منسوب الضغط، يجد اللبنانيون أنفسهم أمام مفترق حاسم يختبر قدرة الدولة على الإمساك بسيادتها وتوحيد قرارها من دون التباس ولا شراكة مضطربة في السلاح، في معادلة تختصر المستقبل: إما استقرار مدعوم دوليًا أو بقاء في أزمة لا تنتهي.