ترقّب لنتائج لقاء ترامب – نتنياهو: التفاؤل يظلّل مفاوضات غزة

كتبت الأخبار:
تمرّ المفاوضات الجارية في العاصمة القطرية الدوحة، بساعات مفصلية قد تكون الأهم منذ انطلاق الوساطات الرامية إلى إنهاء الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة منذ عامين إلا 3 أشهر. وتأتي هذه الجولة من المحادثات وسط مؤشّرات متسارعة تفيد باقتراب الأطراف من التوصّل إلى اتفاق لوقف مؤقّت لإطلاق يترافق مع صفقة تبادل أسرى، خصوصاً مع وصول وفدين مصري وإسرائيلي رفيعَي المستوى إلى الدوحة، وترقّب حضور المبعوث الأميركي الخاصّ، ستيف ويتكوف، والذي يعكس درجة جديدة من الجدية، لم تكن متوفّرة في الجولات السابقة التي اتّسمت بالفشل والجمود.
ووصل الوفد المصري، الذي لا يزال يؤدّي دوراً في التقريب بين المواقف، إلى الدوحة، محمَّلاً برؤية معدّلة تستند إلى سلسلة مشاورات جرت في القاهرة مع قيادات حركة «حماس» ومسؤولين في دول إقليمية. وبحسب مصادر مصرية، تستجيب هذه الرؤية للمطالب التي طرحتها الحركة الفلسطينية في الجولات السابقة، والتي باتت تُعدّ من وجهة النظر المصرية «أساسيات لا يمكن القفز فوقها»، وتشمل الانسحاب التدريجي الكامل لقوات الاحتلال من القطاع، وضمانات موثوقة بعدم استئناف العمليات العسكرية الإسرائيلية بعد انتهاء الهدنة المؤقتة، إلى جانب آلية جديدة لإدخال المساعدات الإنسانية تعتمد على إشراف أممي مباشر، وتجنّب أي تعطيل ميداني قد يعيق وصولها إلى سكان القطاع المنكوب.
وفي المقابل، أظهرت إسرائيل، وفقاً لما نقلته وسائل إعلامها، نوعاً من «الانفتاح الحذر» تجاه بعض النقاط الخلافية، ولا سيما في ما يتعلّق بإعادة انتشار قواتها وتوزيع المساعدات، إذ أفادت «القناة 12» العبرية بأن الوفد الإسرائيلي المفاوض تلقّى تفويضاً بالنقاش في مسألتي الانسحاب من غزة – وإن كان هذا التفويض محصوراً بـ«مرونة محدودة فقط» -، وآلية توزيع المساعدات الإنسانية، التي يُرجّح أن تكون مزيجاً من الآلية الحالية بمشاركة «مؤسسة غزة الإنسانية» الأميركية، والقديمة بمشاركة مؤسسات «الأمم المتحدة»، بحيث تبقى بعض مراكز التوزيع جنوبي القطاع تحت إشراف الشركة الأميركية – الإسرائيلية، فيما تمرّ غالبية الشحنات عبر الأمم المتحدة.
كما نقلت «القناة 12» عن مصادر مطّلعة، أن فريق التفاوض الإسرائيلي «مزوّد بخرائط تفصيلية لانتشار القوات، وخطوط انسحاب محتملة»، وهو ما يُعد سابقة في هذه المفاوضات. إلا أن المصادر نفسها أكّدت أن «الانسحاب الكامل إلى خطوط وقف إطلاق النار السابقة غير مطروح على الطاولة». وأشارت «القناة 15»، بدورها، إلى «حصول توافق على 75% من البنود المتعلقة بالمساعدات، فيما لا تزال قضية إعادة انتشار القوات الإسرائيلية محل نقاش مستفيض».
لكن، في موازاة هذا «الانفتاح» النسبي، تتمسّك الحكومة الإسرائيلية بسقف تفاوضي عالٍ، يشمل شروطاً مشدّدة لوقف الحرب، في مقدّمها نزع سلاح حركة «حماس»، وإبعاد قادتها، وتقويض قدرتها على حكم القطاع مستقبلاً.
وعلى صعيد متصل، برزت إشارات أميركية أكثر وضوحاً على رغبة في إنهاء الحرب، واعتبار ذلك أولوية لدى الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الذي يعتزم مناقشة الملف مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، خلال زيارة الأخير الجارية إلى واشنطن. ووفق «البيت الأبيض»، فإن «ترامب يتوقّع التوصّل إلى اتفاق خلال هذا الأسبوع»، وإنه جرى إيصال هذه الرسالة إلى كل من إسرائيل و«حماس»، مع تحذير من «خيبة أمل» في حال فشل الأطراف في بلوغ اتفاق. كما أعلنت المتحدّثة باسم «البيت الأبيض»، أن ويتكوف سيزور الدوحة هذا الأسبوع للمشاركة المباشرة في المحادثات، في ظلّ إشادة بالدور الذي تؤدّيه كل من قطر ومصر في الوساطة.
وعلى الرغم من ذلك، تبقى الكثير من النقاط عالقة، ما يدفع المراقبين إلى التحفّظ والحذر في التقييم. ففيما أفادت مصادر، القناة «i24» العبرية، بـ«إحراز تقدّم في مفاوضات اليوم (أمس)»، أشارت أخرى، عبر «القناة 12»، إلى أن هذا التقدّم «لا يزال محدوداً»، وأن الفريق المفاوض ينتظر نتائج لقاء ترامب – نتنياهو، والذي قد يكون حاسماً في تحديد الاتجاه العام. كذلك، أكّدت «قناة كان» العبرية أن «مجرد انعقاد المحادثات في الدوحة يُعدّ أمراً إيجابياً بحدّ ذاته، لكنه لا يلغي التعقيدات القائمة التي تتطلّب أياماً إضافية من التفاوض»، في ظروف توصف بأنها بالغة الحساسية.
وفي هذا السياق، كشفت مصادر لوكالة «رويترز» أن العقبة الرئيسية التي لا تزال تعترض التفاهم، هي «رفض إسرائيل السماح بممر آمن ومستقلّ للمساعدات الإنسانية إلى غزة»، وهو ما ترفضه «حماس» والدول الراعية للوساطة باعتباره يفرغ الهدنة من مضمونها الإنساني.
وفي موازاة المسار التفاوضي، يجري الترويج لسيناريو ميداني تصعيدي بديل في حال فشلت المحادثات، إذ كشفت «القناة 14» العبرية، نقلاً عن مصادر أمنية، أن رئيس الأركان، إيال زامير، عرض على الحكومة خيارين: الأول، اجتياح كامل للقطاع والسيطرة عليه عسكرياً؛ والثاني، السيطرة على ما نسبته 75% من أراضيه، وتطويق مدينة غزة والمخيمات المركزية. ووفق هذه المصادر، فإن «الحسم النهائي لهذا الخيار سيُتخذ بعد عودة نتنياهو من واشنطن، في حال لم تسفر المفاوضات عن نتائج ملموسة».
ومع أن احتمال الوصول إلى هدنة لا يزال قائماً ومرجّحاً، إلا أن هشاشة المفاوضات تبقى مصدر قلق أساسي للوسطاء، خصوصاً أن اتفاقَي الهدنة الماضيين انهارا سريعاً بسبب غياب الرؤية لما بعد فترتَيهما. غير أن ما يُميّز هذه الجولة، بحسب المصادر المصرية والأميركية، هو «العمل على تأسيس إطار سياسي وأمني مستقرّ يُبنى عليه لاحقاً، بما يتجاوز مجرد وقف إطلاق النار نحو ترتيب طويل الأمد».