لبنان

قانون الإنتخاب فوق صفيح ساخن: المواجهة في الصناديق

كتب عماد مرمل في الجمهورية: 

بدأ بند الانتخابات النيابية المقبلة يصعد سُلّم الأولويات والاهتمامات المحلية، منافساً القضايا الأخرى على الصدارة، ربطاً بالحساسيات التي يختزنها والآخذة في التفاقم مع ارتفاع حرارة الهواجس.

يقتحم ملف الانتخابات النيابية شيئاً فشيئاً المسرح السياسي، على وقع احتدام السجال في شأن التعديلات المفترض إدخالها على قانون الإنتخاب النافذ، خصوصاً في ما يتعلّق بتصويت المغتربين.

وقد أتى انسحاب وزير العدل عادل نصار، المحسوب على حزب الكتائب، من الجلسة الحكومية التي كانت تناقش مشروع قانون التعديلات، ليُشكّل «عيّنة» من الاحتقان الذي يرافق البحث في تلك المسألة، في دلالة على حجم التوتر السائد لدى بعض الجهات.

ومن المرجّح أن تتصاعد تباعاً حدّة الإشتباك الداخلي حول هذا الملف، انعكاساً لسعي كل طرف إلى حماية أو تحسين المكتسبات التي يعتبر أنّه استطاع أن ينتزعها بموجب القانون الحالي الذي «يتقلّب» حالياً فوق صفيح الإنقسامات الحادة إزاء التعديلات المفترضة.

ومن الواضح أنّ خصوم «الثنائي الشيعي» يفترضون أنّ موازين القوى الداخلية تبدّلت بعد المتغيّرات التي حصلت منذ أيلول الماضي، ومن بينها العدوان الإسرائيلي الواسع وأثره على وضع «حزب الله»، وانتخاب العماد جوزاف عون رئيساً للجمهورية وتولّي نواف سلام رئاسة الحكومة، وصدور قرارَي 5 و7 آب عن مجلس الوزراء في شأن حصرية السلاح، وبالتالي فإنّ هذه التحوّلات يجب أن تنعكس، في رأيهم، على قانون الإنتخاب الذي غالباً ما يأتي ترجمة للتوازنات السائدة.

ويوحي سلوك هؤلاء بأنّهم يتصرّفون على أساس أنّ قانون الإنتخاب الراهن لم يَعُد يتناسب مع المعادلة المستجدة في الداخل، بل هو يمثل من وجهة نظرهم «إرثاً» من حقبة سياسية انتهت، وهذا ما يُفسر إصرارهم على منح المغتربين فرصة التصويت للنواب الـ128 وعدم حصرهم في المقاعد الستة الموزعة على القارات، وفي ظنّهم أنّ المزاج العام للناخبين المنتشرين في الخارج ينسجم مع سياسات القوى المناهضة لـ»الثنائي الشيعي»، وسيُساهم في إعطائها الأكثرية النيابية التي تتطلّع إلى الحصول عليها لتعديل «جينات» المجلس وبسط النفوذ عليه.

وتأمل تلك القوى في أن تستطيع من خلال الإستحواذ على الأكثرية النيابية، أن تتحكّم بمسار معركة رئاسة المجلس، خصوصاً إذا تمكنت من اختراق الكتلة الشيعية المتراصة والمقفلة بنائب واحد على الأقل، تخوض به «مغامرة» إزاحة الرئيس نبيه بري عن موقعه.

يُدرك تحالف حركة «أمل» – «حزب الله» من جهته خطورة التحدّي الذي ينتظره في الإختبار الإنتخابي المقبل، وهو يتعامل مع قانون الإنتخاب على قاعدة أنّه خط الدفاع الأول في مواجهة محاولات تطويقه واختراق صفوفه.

من هنا، لن يتساهل «الثنائي» إزاء مسعى خصومه لتفصيل تعديلات في القانون على قياس مصالحهم السياسية وحساباتهم الإنتخابية، تحت شعارات برّاقة ومرفقة بضغط إعلامي مكثف لدفع «الثنائي» ورئاسة المجلس إلى الركون لمطالبهم، وتحديداً في ما خصّ اقتراع المغتربين للنواب الـ128.

وإذا كان البعض قد بدأ يلوّح بإمكان تأجيل الإنتخابات تحت وطأة الخلاف على قانونها، إلّا أنّ العارفين يؤكّدون أنّ «الثنائي» لا يخشاها ومستعد لخوضها في موعدها، لأنّه يُريد عبر صناديق الاقتراع إيصال رسائل حاسمة إلى كل مَن يعنيه الأمر في الداخل والخارج، بأنّ شرعيّته الشعبية أقوى من أي وقت مضى، وبأنّ البيئة الشيعية لا تزال ملتفّة حول تحالف حركة «أمل» و«حزب الله» وداعمة لخيار المقاومة في مواجهة استمرار الإعتداءات والإحتلال، وترفض البحث في مصير السلاح خارج إطار استراتيجية الأمن الوطني.

والأكيد أنّ نتائج الانتخابات البلدية الأخيرة التي صبّت في مصلحة «الثنائي»، انطَوَت على مؤشرات واضحة إلى طبيعة المزاج الشيعي في هذه المرحلة، وهي شكّلت ما يُشبه «بروفة» للانتخابات النيابية التي ستكون فرصة أمام المكوّن الشيعي من أجل إعادة تصحيح «قواعد الإشتباك» في السلطة والنظام بعد اختلالها نسبياً بفعل العاصفة التي هبّت على لبنان والإقليم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى