التعاقد مع العسكريين: تنفيعة أم فرصة لدعم التعليم؟

كتبت فاتن الحاج في الأخبار:
في جلسته في 16 أيلول، استند مجلس الوزراء إلى موافقة وزارة التربية في قرار رفع الحظر عن دخول الضباط والعسكريين الحاصلين على شهادات عليا إلى السلك التعليمي في المرحلتين الثانوية والجامعية، استناداً إلى «مبدأ المساواة مع المدنيين».
ومع تأكيد وزيرة التربية ريما كرامي، مراراً، بأنها تعمل على وضع حلول لمشكلة «التربويين المتعاقدين»، سألت مصادر نقابية في التعليم الرسمي الثانوي عما إذا كان القرار اتُخذ استناداً إلى حاجة فعلية إلى أساتذة جدد وبما يسهم فعلياً في دعم المدرسة الرسمية، وبناء على دراسة دقيقة بالأرقام والاختصاصات؟». ولفتت إلى أنه «لا يمكن تبرير أي شكوى من بدعة التعاقد ثم تكريسها».
وتشمل التساؤلات ما إذا كانت الدولة ستخصص موارد لتأهيل العسكريين وتدريبهم بما يضمن امتلاكهم المؤهلات الكافية في المواد وطرائق التدريس، في ظل وجود «جيش» من المتعاقدين في التعليم الرسمي، بعضهم متعاقد لساعات محدودة (ساعة أو ساعتين)، ممّن لم تعد هذه العقود قادرة على سد رمقهم بسبب مردودها المحدود وعدم تناسبها مع كلفة النقل. وبالتالي، فإن هؤلاء المتعاقدين «أحقّ بزيادة نصابهم»، أضف إلى ذلك: «كيف سيستفيد العسكري من أجر منخفض للساعة وعدد قليل من ساعات التعاقد؟». وتخلص المصادر إلى أن «هذه حلول سطحية لحكومة لا تمتلك حلولاً اقتصادية حقيقية».
ومع استمرار النقاش حول دوافع هذا القرار، يتساءل البعض: هل القصد مجرد التنفيع وإيجاد مصادر دخل إضافية للعسكريين فقط؟ ولماذا هناك مساعٍ دائمة لتقديم حلول للعسكريين حصراً، مثل العمل مع إدارات المدارس الخاصة لخفض أقساط أبنائهم، ومحاولة استقدامهم للتعليم في القطاع الرسمي، فيما تطالب وزيرة التربية المعلمين بتسجيل أبنائهم في المدرسة الرسمية؟ وألا يعد ذلك خرقاً لمبدأ العدالة والمساواة أن يمارس العسكري مهنة خارج وزارة الدفاع الوطني، في حين يُشترط على الأساتذة مزاولة مهنة ثانية ضمن بيئة التعليم؟ والأهم، هل يقتصر المشروع على التعاقد في التعليم الثانوي الرسمي والجامعة اللبنانية، أم سيمتد إلى التعليم الخاص ودكاكينه الجامعية وما قبل الجامعية، ما يمنحها صدقية عبر تسويق انضمام ضباط الجيش إلى كادرها التعليمي؟
وفي هذا السياق، لم يؤخذ رأي الجامعة اللبنانية بالقرار، رغم أن مصادر أكاديمية أكدت أن حيازة الدكتوراه شرط أساسي للتعليم فيها، مع استثناء بعض الماسترات المهنية التي تقبل حاملي الماجستير، إضافة إلى أن الجامعة تضم حالياً نحو 5 آلاف متعاقد، يتم التعاقد معهم وفقاً لعقود مصالحة، مع تسلّم الرواتب بعد سنتين من مباشرة التعليم.
واعتبر النقابي التربوي السابق عدنان برجي أن من شأن مثل هذا القرار أن يؤدي إلى إفراغ التعليم الرسمي، بحيث يصبح التعاقد هو النمط السائد، خصوصاً في قطاعات الثانوي والمهني والجامعي. وأوضح أن الضباط سيكونون أكثر قدرة على فرض التعاقد من المتخرجين الجدد، مشيراً إلى أن التعاقد لن يقتصر على التعليم الرسمي، بل سيمتد إلى التعليم الخاص، ما يفتح المجال أكثر للوساطات واستفادة أصحاب المؤسسات التعليمية الخاصة من ضغوط الضباط مقابل تسميتهم متعاقدين. وشدد برجي على أن هذا الإجراء مضر بالعسكريين من حيث هيبتهم وتفرغهم للعمل العسكري والأمني، وكذلك بالمتخرجين الجامعيين.
ليس عسكرة للتعليم
غير أن للباحث في التربية، نعمة نعمة، رأياً مختلفاً، إذ يؤكد أن القرار يحقق مساواة فعلية بين العسكريين والمدنيين، لا سيما أن هناك عسكريين لديهم إجازات جامعية ويزاولون وظائف إدارية وليست عسكرية وأمنية، ويمكن هؤلاء أن يكونوا معينين لقطاع التربية عبر تقديم نموذج جيد من التربية المدنية والانضباط والمهارات الحيوية. واستشهد نعمة بما قالته الوزيرة كرامي لجهة أن هؤلاء لن يكونوا متعاقدين ما لم يملكوا مؤهلات ويخضعوا للتدريب، لكون التعاطي مع التلامذة يحتاج إلى خبرات ومعارف. ونفى أن يكون القرار اعتباطياً أو يهدف إلى عسكرة التعليم، إنما هو محاولة دمج بين المؤسسة العسكرية والمجتمع، على غرار باقي موظفي الوزارات الذين يعملون في التعليم.