عربي و دولي

ماذا لو فشلت مفاوضات فيينا حول الملف النووي

في كل مفاوضات ترتسم الاتجاهات التي تحكم مصيرها بموازين قوى هي غير تلك الموازين التي ترسم اتجاهات الحروب، فالموازين هنا تبنى على عنصرين رئيسيين يرتبطان بالإجابة عن سؤال: ماذا لو فشلت المفاوضات؟ الأول هو البدائل التي يملكها كل طرف ومقارنتها من حيث النتائج والكلفة بالقبول بالتسوية التي تكون المفاوضات قد رسمت إطارها قبل قول الكلمة الفصل بالقبول أو الرفض، والثاني هو التداعيات الموضوعية التي لا يمكن التحكم بها لإعلان فشل التفاوض، ومقارنة حاصلها الإيجابي والسلبي لبناء ميزان حاصل يحضر في حساب القرار النهائي بالمضي قدماً نحو التسوية التي ظهر التفاوض طبيعتها، أو قبول الخروج للإعلان عن الفشل.

– في البعد الأول المتصل بالبدائل، يتحدث الطرفان الأميركي والإيراني عن امتلاك بدائل، لكن الأميركي لا يخفي خشيته من أن تكون البدائل المتاحة لإيران أكثر إغراء لها من المضي قدما بالاتفاق، الذي يملك جاذبية كبيرة لإيران مصدرها إسترداد الأموال المجمدة وفتح السواق للمتاجرة والتبادل وتحرير العمليات المصرفية من القيود، وما يعنيه الأمران من عائدات اقتصادية ومالية كبيرة، ومن فرص إنتعاش وإزدهار وراحة، وما يرافق كل ذلك من إنفراج سياسي دولي وإقليمي، ومصدر القلق الأميركي ناتج من معطيات مجمع عليها لجهة بلوغ إيران مرحلة متقدمة في برنامجها النووي تجعل إنتاج سلاح نووي في دائرة الإنجاز خلال فترة قريبة إذا فشل التفاوض، وربما تخرج إيران عن تحريم إنتاج السلاح النووي في حال الفشل وتكتفي بتحريم الاستخدام، على قاعدة اعتبار الإنتاج سلاح ردع لمنع الحروب على إيران، وعنصر توازن لفرض الاعتراف بحقها ببرنامج نووي في عالم ثبت لها أنه لا يفهم إلا لغة القوة، والإغراء الثاني بنظر الأميركيين لتردد إيران في المضي بالتفاوض، كما أظهر تمهلها ستة شهور لاستئناف جولات التفاوض المتوقفة في فيينا، هو نجاحها في تخطي الكثير من عناصر الحصار التي فرضتها العقوبات، سواء بتطوير صناعات نفطية يمكن التملص من العقوبات عليها كالمشتقات النفطية والكهرباء والمنتجات البتروكيماوية، أو بما ضمنه التفاهم الاستراتيجي مع الصين من مبادلة النفط والغاز بكميات كبيرة وسعر متفق عليه بمشاريع بقيمة 450 مليار دولار لخمسة وعشرين سنة، تتضمن تجديد كل البنى التحتية وبناء صناعات متقدمة ومقتدرة في مجالات متقدمة.

– يقابل هذه القراءة الأميركية لوضعية إيران، إقرار أميركي بأن البدائل محدودة، أمام الإدارة الأميركية، فوصفة العقوبات مستهلكة ومختبرة ولو كانت فعّالة وكافية لما كان القرار الأميركي بالعودة إلى التفاوض على إلغاء العقوبات وارداً، خصوصاً أمام الإقرار الأميركي بأن إيران طورت برنامجها النووي بأشواط متقدمة في ظل العقوبات، ونجحت بالتملص من العقوبات وتأمين صادرت تكفي لتأمين حاجاتها من العملات الصعبة، أما وصفة العمل العسكري والأمني التي يتبناها ويروج لها الإسرائيليون، فيحكمها بالنسبة إلى الأميركيين قلق ناجم عن خطر الانزلاق إلى حرب لا تريدها واشنطن الخارجة للتو من إنهاء أكبر حروبها في المنطقة عبر إعلان الانسحاب من أفغانستان، على قاعدة عدم تحقيق الأهداف خلافاً لما اعتادت، وما هو تحت سقف الحرب يعني استعادة لما سبق وأطلقت واشنطن يد تل أبيب في تنفيذه خلال سنوات ما بعد الانسحاب من الاتفاق، وشاركت فيه أحياناً، سواء عمليات تخريب المفاعلات النووية، أو اغتيال علماء بارزين في الملف النووي، وصولاً لاغتيال قادة كبار في الحرس الثوري كان أبرزهم الجنرال قاسم سليماني الذي تولت الاستخبارات الأميركية مهمة اغتياله مباشرة، لكن الحصيلة كانت عدم تراجع البرنامج النووي الإيراني الذي تتقاطع التقارير الأميركية والإسرائيلية عند مواصلته للتقدم بسرعة، وتقدم قوى المقاومة الحليفة لإيران في المنطقة نحو رسم معادلات أشد صعوبة كانت معركة سيف القدس آخر تجلياتها.

يقول الأميركيون في قراءة ما بعد فشل التفاوض، إن إيران ستمضي بسرعة نحو إنتاج سلاح نووي ولو لم تشهر ذلك، وأنها ستعزز برامجها الصاروخية الجاهزة للتطوير وتتوجها بتجارب استفزازية مرهقة، وأن العلاقات الاقتصادية بين إيران وجيرانها ستشهد تحولات نوعية، قد يكون منها ظهور شبكة نقل كهرباء من إيران إلى العراق وسورية ولبنان، وتأمين خط سكك حديد تنفذه الصين يربط بيروت بطهران عبر دمشق وبغداد، يرافقه تعاون إيراني روسي في حقول النفط والغاز اللبنانية والسورية، إضافة إلى توسيع نطاق بيع الكهرباء والغاز لباكستان وتركيا ودول آسيا الوسطى، وتبقى الأولوية لتفعيل أسرع للاتفاق الصيني- الإيراني، لكن التداعيات الناجمة عن إعلان فشل المفاوضات ستكون تصعيداً في كل ملفات المنطقة التي دخلت مرحلة جمود مع انطلاق المفاوضات، وخصوصاً في اليمن وفلسطين، حيث سيكون الحليفان الرئيسيان لواشنطن في الرياض وتل أبيب أمام تحديات كبيرة في الميدان، بينما سيتركز الإشتباك في سورية والعراق على خطط إخراج القوات الأميركية عبر استهدافها بعمليات نوعية تحت عنوان المقاومة.

الخلاصة التي يصل إليها الخبراء الأميركيون هي أن الثمن المطلوب في فيينا، بالغاء كامل للعقوبات وتحرير أمل للأموال الإيرانية، إذا ضمن إلتزاماً إيرانياً بموجبات الاتفاق، سيكون صفقة جيدة تستحق المخاطرة.

ناصر قنديل _ البناء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى