عربي و دولي

جون بولتون يكتب: الوفاق الصيني الروسي يضاعف التهديد الاستراتيجي

اعتبر بولتون أن الفكرة المضللة بأن الولايات المتحدة بحاجة إلى تجاهل خصم للتركيز على الآخر يزيد من حدة الخطر.
كتب مستشار الأمن القومي الأميركي السابق جون بولتون مقالة رأي في صحيفة “وول سريت جورنال” الأميركية تناول فيها التهديدات الاستراتيجية للولايات المتحدة والوفاق الصيني الروسي.

وقال بولتون: مرّ أكثر من 75 عاماً على آخر مرة واجهت فيها الولايات المتحدة محوراً من التهديدات الإستراتيجية. لحسن الحظ، ثبت أن هذا المحور معطّل. لو كان الأمر بخلاف ذلك، لكانت اليابان وألمانيا قد هاجمتا الاتحاد السوفياتي بشكل منهجي، وليس أميركا أولاً.

وأضاف: خصمانا الاستراتيجيان الحاليان، روسيا والصين، ليسا محوراً. لقد شكّلا وفاقاً أو حلفاً، أكثر إحكاماً اليوم من أي وقت منذ أن أدت عملية إزالة الستالينية إلى تقسيم العالم الشيوعي. ينطوي هذا الوفاق على بعض المصالح والأهداف المشتركة، وإظهار الدعم، والتنسيق، وهو أوثق من مجرد صداقات ثنائية ولكنه أكثر مرونة بشكل ملحوظ من التحالفات الكاملة. يعد “الوفاق الثلاثي” قبل الحرب العالمية الأولى (روسيا وفرنسا وبريطانيا) هو النموذج الأولي للعصر الحديث.

واعتبر بولتون أن موسكو شريك صغير لبكين، على عكس أيام الحرب الباردة. فقد أدى تفكك الاتحاد السوفياتي إلى إضعاف روسيا إلى حد كبير، في حين حققت الصين نمواً اقتصادياً هائلاً منذ وفاة ماو تسي تونغ في عام 1976. وزعم الكاتب أن وضع روسيا كشريك صغير سيكون دائماً، نظراً للتفاوتات في عدد السكان والقوة الاقتصادية (بغض النظر عن التوازن العسكري الحالي)، لكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يبدو مصمماً على الاقتراب من الصين.

ورأى بولتون أن هذا الوفاق سوف يستمر. فالمصالح الاقتصادية والسياسية لكليهما تكمّل بعضها بعضاً في المستقبل المنظور. تعد روسيا مصدراً مهماً للهيدروكربونات (النفط والغاز) للصين الفقيرة بالطاقة ومورداً قديماً للأسلحة المتقدمة. روسيا لديها تطلعات للهيمنة على الأراضي السوفياتية السابقة وأوروبا الشرقية والشرق الأوسط. ولدى الصين تطلعات مماثلة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ والشرق الأوسط (وفي جميع أنحاء العالم في الوقت المناسب). يزداد الوفاق قوة، كما يثبت دعم الصين الواضح لروسيا في الأزمة الأوروبية الحالية.

وقال الكاتب: ستكون أميركا بلا شك أكثر أماناً إذا تمكنت من قطع الصلة بين موسكو وبكين، لكن آفاقنا على المدى القريب محدودة. هذا الوفاق، إلى جانب العديد من العوامل الأخرى، يجعل قصير النظر التأكيد الشائع بأن معارضة التهديد الوجودي الصيني للغرب يتطلب تقليل أو حتى سحب الدعم الأميركي للحلفاء في أماكن أخرى.
وأضاف: أنتج “تحوّل” باراك أوباما نحو آسيا أو “إعادة التوازن” تجاهها عقداً من الاختلافات حول مسألة أن الصين مهمة بينما التهديدات الأخرى لا تهم. فقد وافق على ذلك دونالد ترامب، على الرغم من أنه أراد في المقام الأول إبرام “أكبر صفقة تجارية في التاريخ” أو فرض رسوم جمركية إذا لم يستطع ذلك، إلى جانب هجومه على الصين بسبب ما أسماه “فيروس ووهان” عندما أصبح مناسباً سياسياً. يجادل بعض المحللين بأن التهديد الإرهابي العالمي آخذ في التقلّص وأن الموارد الهيدروكربونية أصبحت أقل أهمية بسبب ثورة الوقود الأخضر. كلاهما يعني أننا يمكن أن نخفّض بأمان اهتمام الولايات المتحدة بالشرق الأوسط. وبالتالي، جادل جو بايدن بأن الانسحاب من أفغانستان كان مطلوباً لزيادة الاهتمام بتهديد الصين. يعتقد السناتور جوش هاولي وآخرون أنه لا ينبغي أن نشارك بعمق في أزمة أوروبا الشرقية، لتجنّب تحويل الانتباه والموارد عن مواجهة بكين.

واعتبر بولتون أن مثل هذه التأكيدات حول خفض التدخل العالمي للولايات المتحدة أو إعادة توجيهه هي أخطاء استراتيجية. إنها تعكس التصور الخاطئ بأن اهتمامنا الدولي ومواردنا هي أصول محصلتها صفر، بحيث يتم إهدار أي اهتمام يتم توجيهه للمصالح والتهديدات الأخرى غير الصين.

وقال إن هذا غير صحيح، سواء في فرضية المحصلة الصفرية الكامنة أو في الاستهانة بالتهديدات غير الصينية. مشكلتنا هي الفشل في تكريس أي شيء مثل الاهتمام الكافي أو الموارد لحماية المصالح العالمية الحيوية. تركز النخب السياسية (التي تفتقر بشكل ملحوظ إلى شخصيات مثل ترومان وريغان) على النظريات الاجتماعية الغريبة والاقتصاد المحلي بدلاً من تهديدات الأمن القومي. إن قصر نظر أميركا، وخاصة الميزانية الدفاعية غير الكافية، يجعلنا عرضة للخطر الأجنبي. يجب أن يكون التوجّه المحوري لواشنطن ليس في الاختيار بين الأولويات العالمية المتنافسة، ولكن الابتعاد عن التركيز على الداخل.

وأضاف بولتون: يتجاهل أولئك الذين يخشون الصين حصرياً الوفاق الروسي الصيني. يهدف هذا الوفاق إلى إبراز قوة الصين من خلال روسيا، حيث تقوم بكين أيضاً باستعراض القوة من خلال البرامج النووية الكورية الشمالية والإيرانية. علاوة على ذلك، تقيِّم بكين ردود فعل واشنطن عن كثب على أزمات مثل تلك التي حدثت في أوكرانيا لتقرير كيفية هيكلة الاستفزازات المستقبلية.
واعتبر الكاتب أن بايدن عاد إلى الوراء تماماً في أفغانستان. لم يؤشر انسحاب الولايات المتحدة إلى الانعزال والضعف فحسب، بل سمح للصين وروسيا بتوسيع نفوذهما في كابول وآسيا الوسطى والشرق الأوسط. وبذلك أصبحت بكين وموسكو أكثر ثقة وتصميماً، ناهيك عن أنه حتى إدارة بايدن تعترف بأن تهديد الإرهاب يتصاعد مجدداً في أفغانستان.

وخلص بوتين إلى القول إن بكين ليست تهديداً إقليمياً بل عالمياً، لذلك فإن معاملة بقية العالم كأولوية من الدرجة الثالثة، هي إلهاء تلعب الولايات المتحدة فيه دوراً مباشراً لمصلحة الصين. فالتحول إلى آسيا لن يقوي أميركا ضد الصين، بل سيكون له بالضبط تأثير معاكس ويضعف موقفنا العالمي.

وختم بالقول: نحتاج إلى رؤية هذه الصورة الكبيرة قبل أن يصبح الوفاق الروسي الصيني محوراً.

*جون بولتون مؤلف كتاب “الغرفة التي شهدت الأحداث: مذكرات البيت الأبيض”. شغل منصب مستشار الرئيس للأمن القومي، 2018-2019، وسفيراً لدى الأمم المتحدة، 2005-2006.

نقله إلى العربية بتصرف: هيثم مزاحم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى