لبنان

البناء: القرار 2650: تمديد لـ «يونيفيل» وتطوير لمهمتها وتجاوز للسيادة الوطنيّة

كتب العميد أمين حطيط في البناء:

في العام 1978 انتدبت قوات دوليّة مؤقتة الى لبنان لتشرف على تطبيق القرار ٤٢٥ الصادر عن مجلس الأمن إثر الاجتياح والاحتلال «الإسرائيلي» لجنوب لبنان، القرار الذي نجح لبنان بتضمينه نصاً يوجب الانسحاب الفوريّ ومن غير أيّ شرط الى الحدود الدوليّة ومن أجل تنفيذ ذلك شكلت «القوات الدولية المؤقتة في لبنان» بعديد من ٦ آلاف عنصر من القوات البرية مع دعم جوي لوجستي بسرب من طائرات الهليكوبتر، وكلفت بتسلّم الأرض من المحتلّ «الإسرائيلي» وتسليمها الى الجيش اللبناني دون أن يكون الأخير بحاجة الى أيّ اتصال او تفاوض مع العدو المحتلّ.

وهكذا تشكلت «القوات الدولية المؤقتة في لبنانUnited Nations Interim Force In Lebanon” ومختصرها “UNIFIL” “يونيفيل” وأنيطت بها مهمة محدّدة ومؤقتة مختصرة بتسلّم الأرض المحتلة من المحتلّ “الإسرائيلي” وتسليمها الى لبنان صاحب السيادة عليها، لبنان يعني طبعاً الجيش اللبناني الذي يضطلع رسمياً بمهمة بسط سيادة الدولة على أراضيها.

بيد أنّ “إسرائيل” وكعادتها في التنكر للقرارات الدولية. لم تستجب للقرار الدولي ولم تنسحب ولم تسلم الأرض المحتلة لليونيفيل كما ينص القرار 425، لا بل بالعكس قامت في العام 1982 باجتياح جديد للبنان وسعت فيه احتلالها حتى وصلت الى بيروت، ما استدعى قيام مقاومة شعبية لبنانية متعدّدة المشارب والمصادر، ولكنها تجمع على طرد المحتلّ الصهيوني، أما “يونيفيل” فقد استمرّت في مواقعها تنتظر… وتنتظر حتى مضى على انتظارها 18 عاماً تمكّنت المقاومة في لبنان خلالها من إرغام “إسرائيل” على اتخاذ قرار الانسحاب من لبنان بعد أن جعلت كلفة الاحتلال باهظاً وأكبر من أن يستطع المحتلّ احتماله، فكان الانسحاب من لبنان في العام 2000 بشكل فرضته المقاومة وادّعت “إسرائيل” كذباً وزوراً انها تنفذه استجابة للقرار 425، وواكبتها الأمم المتحدة في هذا الادّعاء وانبرت بأجهزتها لتطبيق ذلك وفي طليعتها قوات “يونيفيل” التي لم تتسلم الأرض المحررة ولم تسلّمها الى الجيش كما ينص القرار ٤٢٥. إنما عملت مع لجنة من الجيش اللبناني للتحقق من خروج الجيش المحتلّ من الأراضي اللبنانية.

بعد اندحارها من لبنان سعت “إسرائيل” الى تغيير مهمة “يونيفيل” للانتقال بها الى وضع تضطلع فيه بمهام حراسة الحدود ومراقبة المنطقة الحدودية اللبنانية خدمة للأمن “الإسرائيلي” في مواجهة المقاومة في لبنان؛ المقاومة التي استمرت ممسكة بسلاحها لسببين: الأول استراتيجي يتصل بعدم الثقة بالنيات “الإسرائيلية” وتوقع عودة “إسرائيل” لاحتلال أرض في لبنان في أيّ لحظة تطمئن فيها الى انّ الاحتلال ممكن وغير مكلف، وهي التي كانت تقول بأنها لا تحتاج الى مواجهة لبنان لأكثر من فرقة موسيقية، والسبب الثاني موضوعيّ عملانيّ يتصل بإبقاء “إسرائيل” على احتلالها لأراض لبنانيّة في مزارع شبعا وتلال كفر شوبا حيث دعمتها الأمم المتحدة في موقفها بذريعة أنّ تلك المناطق تخضع للقرار 242 ولا تخضع للقرار 425، وطبعاً هي ذريعة باطلة كما أثبتنا وأكدنا للأمم المتحدة في حينه.

لكن المحاولات “الإسرائيلية” لتعديل مهمة “يونيفيل” منذ العام 2000 فشلت في تحقيق رغبات “إسرائيل” رغم التبنّي والدعم الواسع الذي مارسته الولايات المتحدة الأميركية، وعندما شنت “إسرائيل” حربها على لبنان في العام 2006 حاولت ان تضمّن القرار الذي أوقف الأعمال القتالية وصدر تحت الرقم 1701، حاولت تضمينه هذا التغيير لا بل دفعت الى تغيير بنية القرار 425 برمّتها لإصداره تحت الفصل السابع وجعل “يونيفيل” قوات متعددة الجنسيات وبمهمة ذات طبيعة قتالية خلافاً لمهمة حفظ السلام كما هي عليه في القرار المنشئ لها، وفشلت المحاولة وبقيت المهمة على حالها مع تأكيد على أنّ المسؤول عن الأمن في الجنوب هو الجيش اللبناني وتسانده “يونيفيل” التي ليس لها أن تقوم منفردة أو استقلالاً بأيّ مهمة عملانية دون وجود الجيش اللبناني أو التنسيق معه أو مواكبته لها بصيغة هو يرتئيها، وقد اعتمد ذلك تطبيقاً لمبدأ المحافظة على سيادة لبنان على أرضه ومنعاً لقيام قوات أجنبية بالتفرّد بأيّ عمل عسكري لا يقرّره او يوافق عليه الجيش اللبناني.

بعد ذلك تكرّرت محاولة تعديل القرار 1701 ليحقق لـ “إسرائيل” رغباتها في تحويل قوات “يونيفيل” الى قوات تعمل لحسابها وتحقق لها مصالحها الأمنية، وكانت أروقة الأمم المتحدة تشهد في كلّ عام لدى التجديد لقوات “يونيفيل” منازلة غربيّة مع لبنان لإجراء التعديل، لكن لبنان كان يُفشل المحاولات حتى كان العام الحالي حيث صدر قرار التمديد لـ “يونيفيل” وفيه جديد يفاجئنا لجهة الاستجابة للمطلب “الإسرائيلي”.

فقد نصّ القرار 2650 / 2022 القاضي بالتمديد لقوات “يونيفيل” لمدة سنة إضافية تنتهي في آب 2023، على انّ مجلس الأمن “يكرر أن اليونيفيل لا تحتاج إلى إذن مسبق أو إذن من أيّ شخص للاضطلاع بالمهام الموكلة إليها، وأنه يُسمح لها بإجراء عملياتها بشكل مستقلّ. ويدعو الأطراف إلى ضمان حرية حركة “يونيفيل”، بما في ذلك السماح بتسيير الدوريات المعلنة وغير المعلن عنها. ويدين المجلس مضايقة وترهيب أفراد “يونيفيل”، وكذلك استخدام حملات التضليل الإعلامي ضدّ حفظة السلام. كما يطلب من البعثة اتخاذ تدابير لرصد المعلومات المضللة ومكافحتها”.

وفي هذا النص الذي أدخل لأول مرة منذ ٤٤ عاماً في قرار يتصل بانتداب “يونيفيل” التفافاً على نص وروح القرار 425 / 1987 المنشئ والقرار 1701 / 2006 المعدّل حيث بات لـ “يونيفيل” الحق مع السكوت أو القبول الرسمي اللبناني أن:

ـ تقوم بأيّ عمل ميداني تراه هي مناسباً لمهمتها دون الحاجة الى موافقة الجيش اللبناني او مشاركته او التنسيق معه، وفي هذا خروج فاضح على الغاية من وجود هذه القوات في لبنان. التي باتت بحكم هذا النص مستقلة في عملها عن الموكل إليه أمر بسط سيادة الدولة على أراضيها، وباتت “يونيفيل” شريكاً بهذه الممارسة لا يخضع في أيّ حال لسلطة لبنان.

ـ تقوم بأيّ دور عملانيّ بما في ذلك نصب الحواجز ونقاط التفتيش ومداهمة الأملاك الخاصة وتعقب الأشخاص وفقاً لما ترتئيه قيادتها ودون أن تشرك او تنسق او تتطلب وجود الجيش اللبناني، ما يعني أنّ “يونيفيل” تتحوّل بذلك الى منظومة عسكرية أمنية مستقلة عن أجهزة لبنان الرسمية وتنقلب بذلك الى قوة احتلال بعيدة عن موقعها في مساندة الجيش اللبنانيّ لبسط الأمن وسيادة الدولة على أراضيها.

ـ تقوم ببناء منظومة استعلام واستخبارات خاصة بها دون تنسيق مع الجيش اللبناني، ما يجعلها بالنظر لعلاقتها وعلاقة قيادتها الوطيدة بـ “إسرائيل” بمثابة منظومة تجسّس لصالح العدو دون رقابة من أحد.

ونضيف الى ما تقدّم ملاحظاتنا علي ما تضمّنه القرار 2650 من طلب الى إنشاء فوج لبناني نموذجي ونشره في الجنوب، وهو أمر فيه تدخل غير مبرّر بعمل الجيش اللبناني وتنظيمه! إضافة الى إهمال القرار للحديث عن الحدود الدولية والنص على “الخط الأزرق” الذي لا يشكل في أيّ حال بديلاً لهذه الحدود الثابتة بينما هو خط مؤقت غير متفق عليه بل متحفظ عليه لبنانياً في ٣ مناطق وقد اعتمد في العام 2000 للتأكد من الانسحاب “الإسرائيلي” ليس أكثر، ونصّ في خريطته على أنه لا يمسّ بأي حال بالحقوق المكتسَبة التي تحدّدها الاتفاقيات الدولية ومنها طبعاً اتفاقية “بوليه نيوكمب” التي تحدّد حدود لبنان الدولية مع فلسطين المحتلة.

مع هذه الملاحظات نرى انّ على لبنان التحرك لمعالجة هذه الثغرات في القرار 2650 وتصرّف الأجهزة الدولية حيال حقوقه، تحرّك يكون عبر كتب توجه الى الأمم المتحدة تبيّن الحق اللبناني وتمسك لبنان بهذه الحقوق حتى لا ندخل في مقولة القبول الضمنيّ وفرض أمر واقع يحقق أهداف العدو “الإسرائيلي” على حساب لبنان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى