مقالات

لبنان وتغير المناخ: تموز ليس متطرّفاً وبداية آب لطيفة!

«الكوكب يشتعل»، عبارة صارخة تصدّرت العديد من النصوص الإعلامية مؤخرا، وأشعلت قلقا عالميا في أوساط علماء المناخ وخبراء البيئة والشعوب وحكوماتهم، وذلك على خلفية موجات الحرّ التي حطّمت درجات الحرارة جوّا وبرّا وبحرا، في بعض الدول كالولايات المتحدة وأوروبا والصين وغيرها، وتسببت في بعضها بحدوث حرائق الغابات.

و في لقاء نظّمته وكالة «ناسا» مع الصحفيين، رجّح كبير علمائها العالم غافين شميدت، أن يكون تموز هو الأكثر سخونة في العالم منذ «مئات إن لم يكن آلاف السنين»، وأنّ هناك احتمالا بنسبة 50% أن يكون العام 2023 هو الأكثر سخونة على الإطلاق، وربّما يفوقه العام 2024، نظرا لبدء ظاهرة «النينيو» التي تتنامى وستبلغ ذروتها في نهاية هذا العام.

و»النينيو» ظاهرة تحدث عندما ترتفع درجات حرارة سطح البحر في المنطقة الإستوائية الشرقية من المحيط الهادي بما لا يقل عن 0.5 درجة مئوية فوق المتوسط الطويل الأجل، وهي حالة تؤدّي إلى تحوّلات في أنماط الطقس حول العالم.

و إذا توحّد العالم هذا الصيف، بموجات حرّ غير مسبوقة، فما حصة لبنان منها، وما حالة حرارته فيما تبقى من هذا الصيف؟

في حديثه لـ «الديار»، يشير رئيس قسم التقديرات في مصلحة الأرصاد الجوية في مطار بيروت الدولي محمد كنج، إلى أنّ شهر تموز على مستوى العالم سجل في بدايته أعلى متوسط درجة حرارة لكوكب الأرض نسبة إلى المعدلات السابقة، وعانى من ارتفاع درجات الحرارة الجزء الشمالي من الكرة الأرضية والذي يضم العدد الأكبر من السكان، وكان هناك قبّة حرارية فوق أميركا وأوروبا وشبه الجزيرة العربية، وسجل أرقاما قياسية ودرجات حرارة استثنائية، ففي الصين بلغت 52 درجة، وفي تونس والجزائر بحدود 49 درجة، في سيسيليا في إيطاليا 42 درجة، علما أنّ أوروبا سجّلت السنة الماضية أرقاما قياسية أعلى من هذه السنة، لكن اللافت هذا العام أنّ الجزء الشمالي يعاني كلّه في الوقت نفسه.

كما يلفت كنج إلى أنّ شهر تموز سجل هذا العام أعلى درجات حرارة عالميا مقارنة بالسنوات السابقة، ولكنه لا يزال ضمن المعدلات في لبنان، فالحرارة في مدينة بيروت لم تتجاوز 32 درجة، وهو معدلها الطبيعي لشهر تموز، إنّما الحرارة الدنيا التي نشهدها صباحا والتي يفترض أن تبلغ 24 درجة وصلت إلى 26 – 27 درجة، أي أعلى من معدلها بـ 2 أو 3 درجات، مضيفا أنّ حرارة البحر الأبيض المتوسط كانت أعلى بدرجة هذا العام، واللافت أنّها ترتفع أحيانا بين ليلة وأخرى بنحو نصف درجة أو أكثر.

والسبب وفق كنج، يعود إلى الكتل الحارّة المشبعة بالرطوبة، التي عبرت من شمال أفريقيا وتونس والجزائر باتجاه اليونان ومنها إلى تركيا، فرفعت درجة حرارة مياه البحر الأبيض المتوسط، كذلك الرياح الرطبة التي أتت من مصر وأدت لارتفاع نسبة الرطوبة في لبنان إلى ما فوق 80% نهارا و95% ليلا، خاصة في المناطق الجنوبية وبيروت، وهذا ما يجعلنا نشعر بالحر الشديد وكأنّ الحرارة تترواح بين 40 و45 درجة (المحسوسة)، فيما الحرارة المقاسة أقل من ذلك بكثير، أمّا في البقاع فقد تخطّت درجة الحرارة معدلاتها بحدود 3 إلى 4 درجات، فمثلا معدّلها في زحلة بحدود 34 درجة، لكنه وصل هذا الشهر ما بين 37 أو 38 درجة.

بينما يشرح كنج أنّ موجات الحرّ هي أمر طبيعي في شهري تموز وآب، فهي أشهر صيفية تصل فيها أشعة الشمس الكرة الأرضية لفترة أطول، ففي لبنان وكلّ الجزء الشمالي من العالم، يستمر الضوء بين 14 أو 15 ساعة خلال النهار، وما يحصل هو أنّ أشعة الشمس تسخّن الأرض وبالتالي الهواء، ومع تمركز المرتفعات الجوية العلوية الثابتة فوق منطقتنا هذه الفترة تحديدا فوق شمال أفريقيا وشبه الجزيرة العربية، فإنّ حرارة المنطقة سترتفع تدريجيا من دون أن تبرد كما يحصل عادة بفعل التيارات النفاثة الباردة التي كانت تأتي من القطب، والتي ضعفت وتراجعت قوتها كثيرا الآن.

كما يجيب كنج أنّنا لا نستطيع أن نتلمّس التغير المناخي في لبنان خلال سنة أو سنتين، إذ يجب إجراء دراسات طويلة لفترة أطول، مرجحا أنّه بمناطق كأوروبا مثلا، فإنّ درجات الحرارة ارتفعت على البحر الأدرياتيكي أو دول البلقان في الأيام الماضية، ما أدّى الى ضخّ كمية كبيرة من الرطوبة في الأجواء، وولّد ما يسمّى بعملية «Supercell» أو الخلايا الفائقة التي أدّت الى تساقط كميات كبيرة من الأمطار خلال فترة قصيرة، وأحدثت فيضانات وحبّات كبيرة من البرَد، وهذه الخلايا الضخمة والرعدية تتولّد من التطرف المناخي، كما يؤدي الاحتباس الحراري دورا أيضا.

أمّا في لبنان فلا يزال وضعنا مقبولا، ولا نزال ضمن المعدلات، ولم نشهد درجات حرارة استثنائية، إنّما ارتفعت نسبة الرطوبة نتيجة ارتفاع حرارة المياه والكتل الحارّة التي عبرت فوق البحر الأبيض المتوسط باتجاهنا وكان اتجاهها جنوبيا غربيا، وهذه الرطوبة عادة ما تصطدم بالسلسلة الغربية وتتجمّع على شكل ضباب ورطوبة على الساحل، ولكن وفق كنج: «لم نرَ شيئا استثنائيا في شهر تموز، أو درجات حرارة في البقاع فوق الـ 40 درجة، أو حرارات على الساحل فوق الـ 38 39 درجة، كنا ضمن المعدلات ولم ينكسر أي رقم»، وأعلى درجة حرارة على الساحل في مدينة بيروت سجّلت في شهر أيّار من العام 2015 بنحو 40 درجة ونصف، وليس في شهر تموز، وحتى الآن لم تتجاوز 32 درجة، وفي طرابلس تلامس 36 درجة وتتراجع أحيانا، على أن الرطوبة بدأت بالتراجع من يوم (الخميس) ، وسوف تتدّنى درجات الحرارة ابتداء من يوم السبت المقبل وستعود لمعدلاتها أو أقل، نافيا التصاريح التي انتشرت في لبنان مؤخرا، بأنّ درجة الحرارة ستصل الى 45 درجة في بداية شهر آب، «هذا ليس صحيحا أبدا والمصلحة نفت هذا الأمر».

بداية آب ليست كعادتها وفق كنج، الذي يشير إلى أنّه عادة ما تكون معدلات شهر آب أعلى من معدلات شهر تموز خاصة في بدايته، ولكن ستكون بداية أب في لبنان لطيفة بالإجمال، ودرجات الحرارة ضمن معدلاتها أو أقلّ، لافتا إلى أنّه من المبكر أن نتوقّع وضع شهر آب ككل، ولكن عادة ما تكون معدلات شهر آب على الساحل بين 26 و33 درجة، أي أعلى من معدلات شهر تموز التي تتراوح عموما بين 24 و32 درجة، وبين 18 و35 في الداخل، فيما تكون خلال تموز بين 13 و34 درجة.

كما شارف شهر تمّوز على الإنتهاء، وفي جعبته رقم قياسي عالمي جديد كأكثر أشهر تموز سخونة منذ زمن بعيد، وبتنا على مشارف شهر آب ولا نعرف عن حجم لهيبه أيّ شيء بعد، ولكن ما هو مؤكد علميّا أنّ التغيّر المناخي قال كلمته، وأنّ الأرض تغلي على وقعها، وستستمر حرارتها في الارتفاع، ما يهدّد الأمن الحياتي على هذا الكوكب، البيئي، الغذائي، المائي، البيولوجي، الصحي، الإقتصادي… إلخ، إن استمر طمع الدول الكبرى وغازاتها الدفيئة ووقودها الأحفوري، فهل من يسمع استغاثة الأرض!.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى