الأخبار: التمديد للمفتي دريان ثلاث سنوات: «حديث غير مسند» أم «متّفق عليه»؟
كتبت لينا فخر الدين في الأخبار:
في دار الفتوى، لا صوت يعلو فوق صوت معركة «المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى». مع ذلك، تحوّلت الأضواء والاهتمام عنها إلى معركةٍ أخرى: التمديد لمفتي الجمهوريّة الشيخ عبد اللطيف دريان الذي يبلغ السن القانونية (73 عاماً) مطلع عام 2025، برفع سن التقاعد إلى الـ76، ما يتيح له البقاء في منصبه حتّى عام 2028.
بات الأمر حديث السّاعة على ألسنة رجال الدين قبل أيّام من انتهاء ولاية «المجلس الشرعي» الحالي. صحيح أن لا شيء مؤكّداً بعد، باستثناء روايات يتم تناقلها، لكن ما زاد الشكوك دعوة دريان المفاجئة لـ«المجلس الشرعي» الذي تشرف ولايته على الانتهاء إلى الانعقاد السبت المقبل، رغم أن مقرّبين من دريان يؤكّدون أن «الجلسة أمرٌ طبيعي لإنهاء الملفّات العالقة قبل انتهاء ولاية المجلس الحالي»، وأن جدول الأعمال يتضمّن ملفات خاصة باللجان الإدارية والمالية والتنمية الوقفيّة، وليس التمديد من بينها.
غير أن خصوم المفتي يتداولون «سيناريو جاهزاً لتهريب التمديد» عبر تأمين النصاب القانوني، قبل أن ينسحب دريان من الجلسة ليرأسها نائب الرئيس، عمر مسقاوي، لتمرير المشروع من خارج جدول الأعمال. وينبّه هؤلاء إلى أن التمديد من خارج جدول الأعمال «غير قانوني»، باعتبار أنّ المجلس لا يمكنه التشريع في أيّام ولايته الأخيرة، كما أن أي مشروع قانون يجب أن يُحال إدارياً إلى الأمانة العامّة للمجلس التي تُحيله بدورها إلى المفتي، ومنه إلى اللجنة التشريعيّة لبتّه قبل رفعه إلى الهيئة العامّة للمجلس للتصويت عليه. ولأن كل ذلك لم يحصل، تشير المصادر إلى أن التنسيق جارٍ بين الأعضاء الذين عيّنهم دريان وبعض أعضاء اللجنة القانونيّة للمجلس، وهو ما ينفي عدد من أعضاء اللجنة علمهم به.
«مؤامرة» السنيورة؟
بالنسبة إلى خصوم دريان، فإنّها «مؤامرة» يصوغها الرئيس فؤاد السنيورة الذي يمتلك أكثريّة الثلثين في المجلس الحالي، وأقنع بها المفتي عبر بعض رجالاته في دار الفتوى، ومنهم المرشّح محمّد دندن الذي طالب دريان بأن يكون من حصّته على اللائحة التوافقيّة التي يُشكّلها تيّار المستقبل لخوض انتخابات «الشرعي».
«الحريريّون» لم «يبلعوا» الرواية بعد، خصوصاً أنّ تحذير المفتي من «الفؤادين» (السنيورة والنائب فؤاد مخزومي) في جلساتهم معه منذ أيّام، لا يزال يرنّ في آذانهم. وبالتالي، لم يُصدّقوا أنّ في إمكان المفتي الذي يعقد تحالفاً مع «التيّار الأزرق» تمرير التمديد من دون موافقته، خصوصاً أنّ «المستقبليين» يؤكّدون أن لا علم لرئيسهم سعد الحريري أو للأمين العام أحمد الحريري بهذه الخطّة. كما أن مقرّبين من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي يشدّدون على أن الأخير أيضاً ليس في هذا الجو.
اجتماع سنو
إذاً، لا غطاء سياسياً لخطوة التمديد، ما يجعلها «حديثاً ضعيفاً»، إلا أن من يتحدّثون عنها يؤكّدون انعقاد اجتماعٍ في اليومين الماضيين في مكتب رئيس «جمعيّة المقاصد الخيريّة الإسلاميّة» فيصل سنو ضمّ كلاً من القاضي إيّاد البردان، محمّد دندن ورئيس جمعيّة «الإرشاد والإصلاح» وسيم المغربل. وطرح المجتمعون، على ذمّة المصادر، مشروع التمديد لدريان، وإدخال التعديلات على المرسوم 18 الذي ينظّم أمور دار الفتوى وتحديداً بند الشغور في سدّة الإفتاء، إذ ينص المرسوم على أن يتسلّم أمين الفتوى مقام القائم بأعمال المفتي في حال الشغور، تماماً كما حصل مع المفتي السابق محمّد رشيد قباني إثر اغتيال المفتي حسن خالد. وينص التعديل على أنه في حال الشغور يُحال الأمر إلى رئاسة الحكومة التي تُعيّن من يُسيّر أعمال الدار إلى حين انتخاب مفتٍ. وهو ما أثار غضب المشايخ الذين اعتبروا أنّ الأمر يُلحق الأذى بدار الفتوى ليُصبح «رئيس الحكومة هو المفتي، والمُهيمن على الدار»، على حساب رجال الدين. المفارقة أن السنيورة هو من قاد معركة تعديل المرسوم 18 في عهد قبّاني. وبحسب المصادر، انتهى الاجتماع في مكتب سنو بإشكالٍ بين المجتمعين والمغربل الذي ثار عندما سمع بالتعديلات على المرسوم 18.
محضر الاجتماع الذي سُرّب إلى المعنيين تمّ ربطه بما نُقل من ثناء من دريان على سنو الأسبوع الماضي وقيامه بزيارة دعم لمستشفى المقاصد، بعد علاقةٍ متدهورة وغضب على رئيس الجمعية لتغييره اسم إحدى المدارس وشطب آية قرآنيّة من لافتتها. «تعويم» دريان لسنو أخيراً، بالنسبة إلى خصومه، يؤكد «صحة» حديث التمديد ودور رئيس «المقاصد» في التسويق له.
«تكهّنات»
في المقابل، ينفي أحد الحاضرين للقاء أن تكون فكرة التمديد للمفتي جديّة، مشدّداً على أنّ «الاجتماع لم يكن مُنسّقاً والحديث كان عرضياً ويطرحه البعض من باب خشية تدهور الأوضاع السياسية في البلاد، ولكننا لم نطرحه بشكلٍ جدي، خصوصاً أن قراراً كهذا لا يحتمل تمريره من دون قرارٍ سياسي». وبالتالي، فإنّ «ما حُكي خلال اللقاء أخذ أكثر من حجمه باعتباره دردشة». أما في ما خصّ إدخال التعديلات على المرسوم 18، فإنّه «لم يُطرح خلال اللقاء لا من قريب ولا من بعيد»، على حدّ قوله.
من جهتهم، يؤكّد قريبون من دريان أن لا علم له بما يُطرح من إمكانية التمديد له، وينقلون عنه تشديده على أنّه لا يقبل بالتمديد يوماً واحداً. ويلفتون إلى أن فكرة التمديد للمفتي «مجرّد تكهّنات بدأت مع فهم البعض أن قيام دريان بالتمديد لبعض المجالس الإداريّة الوقفيّة التي تكوّن الهيئة الناخبة للمفتي، يصبّ في هذا الإطار».