عربي و دولي

تصعيد الفلاحين يمتد إلى خارج فرنسا.. ما الأسباب الحقيقية لهذه الانتفاضة؟

صعّد المزارعون في فرنسا حراكهم تنديداً بالتعرفة الضريبية والمعايير البيئية ورفضاً لدعم المنتجات الزراعية الأوكرانية على حساب منتجاتهم.

واتسعت رقعة الاحتجاجات لتشمل دولاً أوروبيةً عديدة، حيث أنّ هذا الحراك الشعبي لا يعكس أزمة منتجاتٍ فحسب بل يُعيد الى الواجهة حال التبعيّة الاقتصادية التي لدى دول الاتحاد الأوروبي.

وشبّه المزارعون ما يجري حالياً بأنه مسألة حياة أو موت، مؤكدين أنّهم لن يترددوا بالضغط على الحكومة الفرنسية، وأنهم مستعدون لإعلانها حرباً لاستعادة حقوقهم.

وبدأت مشكلة المزارعين الأوروبيين مع انتشار وباء كورونا وتراجع الطلبيات، وتفاقمت مع ارتفاع أسعار الوقود والأعلاف وسائر تكاليف الإنتاج، ثمّ بلغت ذروتها عندما أقرّت المفوضية الأوروبية ضرائب جديدة طالت الوقود الزراعي والمبيدات الحشرية بهدف الحدّ من استهلاكها لأنها غير صديقةٍ للبيئة.

وتزامن فرض الضرائب مع إعفاء الواردات الأوكرانية إلى الأسواق الأوروبية من أيّ رسوم، وبذلك بدت الخضروات والفاكهة واللحوم والمعلبات الأوكرانية معروضةً على الرفوف بأسعارٍ منخفِضة منافسة لأسعار المنتجات الأوروبية.

وبهدف تهدئة غضب المزارعين اقترح الاتّحاد الأوروبي تمديد الإعفاءات الجمركية على الصادرات الزراعية الأوكرانية لمدّة عامٍ آخر، لكن مع إعطاء ضماناتٍ لمنع إغراق السوق على حساب المزارعين الأوروبيين.

السبب الرئيس لهذه التحركات هو النظام الليبرالي الرأسمالي المتوحش الذي تخلّى عن كل مسؤولياته، ولا سيّما في الدول الليبرالية تحديداً في فرنسا ومنح الشركات الكبرى مفاصل القرار بالأوضاع الاقتصادية وصولاً إلى الأمور الاجتماعية أيضاً.

والسبب الآخَر أمام جشع هذه الشركات الكبرى التي تبحث عن الأرباح الطائلة وتستورد جزءاً كبيراً جداً من المزروعات واللحوم والمنتجات الحيوانية والزراعية من خارج دول أوروبا الغربية، ومن دول أوروبا الشرقية، التي توجد فيها الأسعار أقل بكثير من الأسعار في دول أوروبا الغربية كفرنسا.

تربط ثلاثة عناصر بين ما يجري حالياً والأزمة الأوكرانية الروسية:

العنصر الأول له علاقة بارتفاع أسعار المحروقات في بداية الأزمة، فاليوم تراجعت أسعار النفط بشكل كبير ولكن لم ينعكس ذلك على أسعار المحروقات ولا سيّما الديزل الذي يستخدمه المزارعون في أوروبا.

العنصر الثاني له علاقة بالعقوبات الاقتصادية التي فُرضَت على روسيا، حيث كان هناك نحو 260 مليار دولار من التبادل التجاري بين أوروبا وروسيا، وجزء كبير من الصادرات الأوروبية لروسيا كانت أيضاً له علاقة بالمنتجات الزراعية واللحوم وغير ذلك من منتجات الألبان والأجبان، وهذه المسائل توقفت بشكل كامل، وحوّلت روسيا استيراد المنتجات الزراعية إلى تركيا ومصر ودول أخرى.

العنصر الثالث هو الاستيراد، من أوكرانيا وبلا رسوم، وتعتبر أوكرانيا منتجاً كبيراً جداً للمنتجات الزراعية من قمح وغيره، وهذه المنتجات موجودة بشكل قوي جداً في الأسواق الأوروبية وهي تؤثّر بشكل مباشر على المزارعين الأوروبيين.

لا تزال تتفاعل تصريحات ماكرون خلال زيارته للصين عندما قال إنّ “أسوأ شيء هو الاعتقاد أنّ علينا نحن الأوروبيين أن نصبح تابعين أو نتأقلم مع الإيقاع الأميركي”.

وكان من الواضح أن هناك امتعاضاً كبيراً من قبَل الولايات المتّحدة يُذكّر بنهج تتّخذه فرنسا منذ ديغول بمحاولة إيجاد كيان أوروبي بعيد عن التبعية والهيمنة الأميركية.

ولا تزال الولايات المتحدة تشعر أنها قادرة على التأثير على الموقف الأوروبي للحيلولة دون النزعة الاستقلالية التي تقودها، وتساعدها في ذلك أحياناً بريطانيا بشكل أساسي التي تنهج نهجاً متقارباً مع أميركا، وأحياناً أيضاً النهج الألماني الذي خضع في الفترة الأخيرة للموقف الأميركي..

وأوقفت الشرطة نحو مئة مزارع، يوم الأربعاء، في فرنسا وتم القبض على 79 شخصاً، إضافة إلى توقيف 15 شخصاً بتهمة “عرقلة حركة المرور” في وقت سابق قرب رونجي جنوب باريس.

وهذه التوقيفات هي الأولى في حركة الاحتجاج التي تصاعدت منذ الاثنين في فرنسا، حيث قام مزارعون بإغلاق العديد من الطرق السريعة المؤدية إلى باريس بجراراتهم.

وحتى منتصف نهار الأربعاء، تم تسجيل أكثر من 80 إغلاقاً وخروج 6000 متظاهر و4500 مركبة في أنحاء البلاد، بحسب مصدر في الشرطة.

ولا تقتصر حركة الاحتجاج على فرنسا، إذ شهدت كذلك ألمانيا وبولندا ورومانيا وبلجيكا تظاهرات في الأسابيع الأخيرة.

في إيطاليا، تظاهر آلاف المزارعين، من سردينيا إلى بيدمونت، مرة أخرى الأربعاء. ورفع متظاهرون لافتة كتب عليها “الزراعة تحتضر” في بلدة كونيو في شمال البلاد أثناء تظاهرهم.

وفي إسبانيا، تم الإبلاغ عن تجمعات قرب ليون وزامورا في الشمال الغربي. وأعلن وزير الزراعة الإسباني أنه سيستقبل الجمعة الاتحادات الزراعية الرئيسية الثلاثة التي وعدت بـ”التعبئة” في “الأسابيع المقبلة”.

كما دعا المزارعون البرتغاليون إلى التعبئة، صباح الخميس، على طرق البلاد بالجرارات والمركبات الزراعية.

وفي مواجهة السخط، قدّمت المفوضية الأوروبية تنازلات الأربعاء حول أمرين يثيران استياء المزارعين، فقد اقترحت بالنسبة لعام 2024 منح إعفاء “جزئي” من إراحة الأرض الإلزامية التي تفرضها السياسة الزراعية المشتركة، وبحث آلية للحد من الواردات الأوكرانية، وخاصة الدواجن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى