لبنان

الشيخ الخطيب: نكرر مقولة الإمام الصدر الشهيرة “إن الوحدة الداخلية أفضل وجوه الانتصار على العدو”

أدى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة، في مقر المجلس، والقى خطبة الجمعة التي قال فيها:

“اللهم لك الحمد حمد الشاكرين، كما تحب أن يحمدك الحامدون على ما انعمت، وكما أمرت وعلمت وأدبت المؤمنين كما قلت في كتابك الكريم واوحيت إلى سيد رسلك { رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين} التي أكدها بقوله تعالى: {وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين}.

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاة كثيرة دائمة مباركة زاكية كما صليت على ابراهيم وعلى آل سيدنا ابراهيم وثبتنا على ولايتهم التي جعلتها النعمة الكبرى التي أكملت بها الدين وأتممت بها النعمة ورضيت لنا الاسلام دينا  (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)، فبها كان كمال الدين وبها تمت النعمة الإلهية التي تدل على أنها جزء من الدين كما النبوة والرسالة والولاية لمحمد صلوات ربي وسلامه عليه وعليهم. فهل يستقيم  الفصل بين الدين وبين النبوة والرسالة لمحمد ابن عبد الله النبي الامي، فكما لا يستقيم الفصل بينه وبين الولاية التي تشخصت بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب والائمة الهادين المهديين (ع) الذين اختتموا ببقية الله الاعظم مهدي آل محمد عجل تعالى فرجه الشريف، فقد خاطب الله تعالى ابراهيم بقوله سبحانه: (إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين) والمراد بالظالمين في قوله تعالى، (قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين) مطلق من صدر عنه ظلم ما، من شرك أو معصية، وإن كان منه في برهة من عمره، ثم تاب وصلح”.

اضاف: “والنبوة غير الامامة، فإن هذا الخطاب لإبراهيم جاء في أواخر حياته وبعد نبوته مما يعني انه كان نبيا ورسولا قبل أن يكون إماما التي استحقها بعد ما ابتلاه الله به بشتى أنواع البلاء حيث امر بذبح ولده اسماعيل وواجه عبدة الأصنام وغيرها (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين)، والقضية إنما وقعت في كبر إبراهيم، كما حكى الله تعالى عنه من قوله: (الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إن ربي لسميع الدعاء) المراد بقوله تعالى: (بكلمات) قضايا ابتلى بها وعهود إلهية أريدت منه، كابتلائه بالكواكب والأصنام، والنار والهجرة وتضحيته بابنه وغير ذلك، ولم يبين في الكلام ما هي الكلمات لان الغرض غير متعلق بذلك، نعم قوله: (قال إني جاعلك للناس إماما )، من حيث ترتبه على الكلمات تدل على أنها كانت أمورا تثبت بها لياقته عليه السلام لمقام الإمامة.

فالإمام هاد يهدي بأمر ملكوتي يصاحبه، فالإمامة نحو ولاية للناس في أعمالهم، وهدايتها إيصالها إياهم إلى المطلوب بأمر الله دون مجرد إراءة الطريق الذي هو شأن النبي والرسول وكل مؤمن يهدي إلى الله سبحانه بالنصح والموعظة الحسنة.

(وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين)

والإمام يهدي بلطف من الله دون أن يحتاج إلى هاد من الناس (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون) واذا كان سيدنا محمد عليه وآله السلام الى جانب أنه النبي والرسول الخاتم قد بلغ الرسالة وأتم الحجة فكان هاديا ومبشرا ونذيرا وقد أبلغ من الله تعالى بأنه راحل إلى ربه وأن الوحي قد انقطع بموته إلا أن الحاجة إلى إيصال العباد إلى الهداية لم تنته، وكانت حاجة دائمة لمن يقوم بها كان الأمر الالهي بإبلاغ الأمة بالقائمين بها وهم أئمة أهل البيت (ع)، واذا كانت النبوة قد اختتمت به إلا أن الهداية مستمرة بهم فهي كالنبوة بأمر إلهي بها اكتمل الدين وتمت النعمة”.

وتابع: “والمناسبة لهذا الكلام هي مناسبة الخامس عشر من شعبان المعظم حيث الولادة الميمونة للأمام المهدي (عج) الامام الثاني عشر من أئمة أهل بيت الهدى (ع) الذي يحقق الغاية للرسالة ويحقق حلم الأنبياء (ع). من هنا اكتسبت هذه المناسبة هذا الاهتمام وكان للمؤمنين أن يعظموها ويتبركوا بها منتظرين ساعة اللقاء بولي الله الذي سيحقق لهم وللعالم وللمستضعفين والمظلومين ما افتقدوه من الأمن والسلام والعدالة ولينهي معاناتهم مع الجبابرة والظالمين والمفسدين في الأرض والذي يعطيهم أمل الانتظار الصبر والقوة والصلابة في مواجهة قوى الباطل والظلم والظلام. وبهذا حق لهم أن يحتفلوا بولادة هذا الامام في هذا اليوم وهم تحت عين رعايته وعنايته وهدايته يمارس هذه المهمة من وراء حجاب حتى يأذن الله تعالى له بالكشف عن نفسه وهو يعيش معهم وبينهم ليس غائبا عنهم ولا مهملا لشأنهم وهم ممتحنون بهذا الاستتار والانتظار (فمن مات ولم يعرف أمام زمانه مات ميتة جاهلية) كما قال رسول الله، وإمام الزمان من لم يكن مرتكبا لظلم او معصية (قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين)”.

واكد ان “الامامة عهد وتولية من الله دون غيره واستتاره عنا لا ينقص من واجبنا في توليه ورعاية الحق وأداء الواجب ومراعاة الأحكام الشرعية والتبرؤ من الظالمين والمعتدين والتمسك بالقيم الدينية والوقوف الى جانب المظلومين والمستضعفين ومراعاة الأخوة الايمانية وأداء حقوق الله والناس والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومواجهة الفساد وعدم الاثرة والوقوف عند الشبهة والاحسان إلى الناس والابتعاد عن الإساءة “.

وقال الخطيب: “أما اليوم حيث يتعرض أهلنا في جبل عامل والجنوب إلى العدوان الغاشم من قبل العصابات الصهيونية الارهابية والمتوحشة ما اضطرهم إلى النزوح عن قراهم ومزارعهم وبيوتهم وأعمالهم ومصالحهم، كل ذلك يمتحن إيماننا وصبرنا وديننا، ونحن تحت نظر ربنا جل شأنه ونبينا وأئمتنا وصاحب الزمان (عج)  فلا نكونن مع الظالمين لهم والمقصرين بحقهم، فهؤلاء المقاومون إنما يدفعون ثمن الدفاع عن لبنان ويستحقون بل من واجب كل لبناني أيا كان انتماؤه السياسي والديني والمذهبي أن يقف إلى جانبهم، فهو واجب وطني وديني وإنساني وبالأخص على الدولة أن تقوم بكل ما أمكن في هذا الشأن ومطالبة المنظمات الدولية بالقيام بواجبها في هذا المجال وعدم التعاطي مع هذه المسألة بخلفيات غير وطنية سياسية وطائفية ومذهبية”.

ورأى “ان “الحري بالقوى السياسية في هذه الظروف الخطيرة أن تظهر وحدة الموقف الوطني حيال العدوان الصهيوني وتهديداته وعدم استغلال ما يقوم به العدو في السياسة في توجيه الاتهام للمقاومة بخلفيات طائفية ومذهبية فيما يخدم العدو ويبرر عدوانه على لبنان، فالمقاومة ملتزمة مصلحة لبنان ومراعية لها وما تقوم به تلتزم حدود ردع العدو أن يتمادى في رعونته وتهديداته للبنان مع التأييد المطلق لحق الشعب الفلسطيني في دفع الظلم والعدوان وتحرير الارض من العدو الغاصب والمتوحش والقاتل. وواجب العرب والمسلمين وكل حر في هذا العالم أن يقوم بواجبه في العمل على إيقاف هذا العدو عن الاستمرار في القتل والذبح والتجويع للشعب الفلسطيني وتهديم البيوت على رؤوس الاطفال والنساء وملاحقتهم في العراء ومحاولات تهجيرهم القسري الى الدول المجاورة وتعريضهم لنكبة جديدة، وإيصال المساعدات الانسانية لهم هو من أبسط واجبات المجتمع الدولي والعالم العربي والإسلامي بالأخص حيث بدا واضحا تآمر المجتمع الدولي وتنكره للمواثيق والمعاهدات الدولية التي يدعي الدفاع عنها” .

وقال: “وهنا أكرر الدعوة في ظل الازمات الداخلية والاخطار الخارجية إلى ضرورة التلاقي بين القوى السياسية اللبنانية والروحية على كلمة سواء، فتراشق الاتهامات لا يحل أزمة ولا يدفع خطرا ولا بد من التواصل بين الجميع، ففي التواصل سوف يرى أن هناك أسوارا بنتها الأوهام سرعان ما تزول عند التواصل إذا ما أريد حقا بناء وطن”.

أضاف: “نسأل الله تعالى أن يلهم الجميع العمل لما فيه حفظ لبنان واللبنانيين وما فيه كرامتهم وامنهم واستقرارهم، كما نتضرع إليه سبحانه وتعالى أن يكون عونا للمقاومة في دفع شر العدو وأن يعين الشعب الفلسطيني ومقاومته في الانتصار لقضيته العادلة والمحقة التي أظهرت تآمر المجتمع الدولي ونفاقه وتواطئه مع العدو الصهيوني في العدوان على الشعب الفلسطيني وتأييده العملي لما يقوم به من المجازر الرهيبة، في الوقت الذي يتحدث فيه زورا وكذبا عن مواعيد  لوقف القتال يتبادل فيه الغرب الادوار لمنح العدو الفرصة تلو الاخرى ممتنعين عن إصدار قرار عن مجلس الامن لوقف القتال وعلى رأسهم الولايات المتحدة الاميركية التي يشكك رئيسها بارتكاب العدو الصهيوني للمجازر بشكل فاضح وبوضح النهار لإفساح المجال للعدو بتهجير الفلسطينيين وتحقيق صورة نصر لن تسمح المقاومة بتحققها بإذن الله . ولو كان الرئيس الأميركي صادقا لما اقتضى منه الامر سوى التهديد بوقف إمداد العدو بالسلاح والذخيرة” .

وتوجه الخطيب بالتحية “للشهداء وأهاليهم الذين أخلصوا لقضيتهم المحقة ونأمل من الله أن يرفع الضيم عنهم، وبالرحمة للشهداء والصبر والأجر لأهلهم والشفاء للجرحى والنصر للشعب اللبناني والفلسطيني المظلوم والصابر والمضحي”. وحيا “المقاومة اللبنانية التي أخلصت لوطنها لبنان وشعبها بكل تنوعاته فليس يضحي في سبيل وطنه وشعبه الا من يحمل في قلبه المحبة والاخلاص. والتحية لأبنائنا وأهلنا الذين اضطرهم العدو إلى النزوح عن ديارهم التي سيعودون إليها حاملين راية النصر كما حملوها بل أفضل من بعد التحرير عام ألفين وبعد هزيمة العدو المخزية عام الفين وستة والذي لن يكتمل الا بوحدة اللبنانيين على كلمة سواء بإذن الله تعالى” .

وختم: “نكرر مقولة الامام الصدر الشهيرة أعاده الله واخويه: “إن الوحدة الداخلية أفضل وجوه الانتصار على العدو” التي تتبناها المقاومة وبيئتها وتعمل على اساس منها.

(يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل * إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون * لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة يفصل بينكم والله بما تعملون بصير * قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك وما أملك لك من الله من شيء ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير * ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم)

الرحمة لامواتنا وشهدائنا، الأجر الجزيل والصبر لأهلهم الكرام.

(يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون)

 والحمد لله رب العالمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى