عربي و دولي

“هآرتس”: غالانت يستخدم قانون إعفاء الحريديم لدفع الائتلاف الحكومي إلى نهايته

كتب معلق الشؤون العسكرية واليهودية والدولية في صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، آنشل فيفر، مقالاً تحدّث فيه عن خلفية موقف وزير الأمن في كيان الاحتلال يوآف غالانت، من قانون إعفاء الحريديم من التجنيد، معتبراً أن غالانت يدرك أنّ تجنيد الحريديم لن يحل أزمته في الحرب الحالية، ولن ينهي صداع الجيش الإسرائيلي، ليخلص إلى أن غايته الحقيقية هي الاستفادة من الأزمة الحاصلة في دفع الائتلاف إلى نهايته.

وفي ما يلي نص المقال منقولاً إلى العربية:

ليس لدى وزير الأمن مشكلة حقيقية مع استمرار عدم المساواة في التجنيد، لكنه فهم أنّ الحكومة لا تريد أو غير قادرة على تحديد أهداف واضحة لـ”الجيش” الإسرائيلي لمواصلة الحرب، وأنّ الأزمة مع الحريديم يمكن أن تخدمه. الآن، أدرك غالانت، نتنياهو لم يعد بإمكانه إقالته.

غادر وزير الأمن يوآف غالانت على وجه السرعة إلى واشنطن. مهمته الرئيسية: تسريع شحن الذخائر الأميركية، وهو أمر حيوي جداً بالنسبة لـ”الجيش” الإسرائيلي. الذخيرة ضرورية لمواصلة القتال في قطاع غزة وعلى الحدود اللبنانية، في وضع تتصاعد فيه الحرب ضد حزب الله من تبادل إطلاق النار بعشرات الصواريخ يومياً إلى حرب شاملة.

كما سيطلب من محاوري غالانت في الولايات المتحدة مناقشة قضايا مثل العملية الإسرائيلية المخطط لها في رفح، والخطوات العاجلة المطلوبة لمنع الجوع المتزايد في قطاع غزة، وإعداد قوة – غير “الجيش” الإسرائيلي أو حماس – لتولي المسؤولية الأمنية في غزة.

مع هذا الجدول الزمني المزدحم والمتفجر، يطرح السؤال: لماذا يكلف غالانت نفسه عناء التعامل مع مسألة القانون الذي يعفي الحريديم من التجنيد في “الجيش” الإسرائيلي، بل ويعلن قبل رحيله أنه سيرفض تقديم القانون الذي من المتوقع أن يُطرح في الحكومة هذا الأسبوع. بصفته لواءً مخضرماً في هيئة الأركان العامة، لم يحاول غالانت دفع مبادرات في هذا المجال، حتى في السنوات العشر التي قضاها في السياسة، معظم الوقت كوزير في الحكومة.

في ظاهر الأمر، الآن، بعد أن أصبح مسؤولاً عن المؤسسة الأمنية والعسكرية في حالة حرب، كان منطقياً أكثر من ناحيته أن يوافق على إجراءات وضع قانون الائتلاف غير المجدي على منصة “الكنيست”. على أي حال، هذا قانون هدفه الوحيد هو تحريك الكرة إلى الأمام، من التماس إلى التماس إلى محكمة العدل العليا.

بما أن مطلب الأحزاب الحريدية بإدراج بند يتجاوز محكمة العدل العليا في القانون قد تم تأجيله في الوقت الحالي، لا أحد لديه أمل حقيقي في إمكانية التوصل إلى تكافؤ فرص مع الأحزاب الحريدية في ما يتعلق بصياغة القانون، بما يضمن شرط المساواة الذي يصر عليه قضاة المحكمة العليا.

من ناحية أخرى، حتى لو لم يتم إمرار أي قانون، وانتهى الإعفاء وحتى تدفق الميزانيات إلى المدارس الدينية التي يتم فيها تسجيل المتهربين من التجنيد، ليس لدى ضباط الفرز والتصنيف أدنى تفكير بأن هذا سيحل صداع “الجيش” الإسرائيلي، فيما يتعلق بمسألة كيفية استكمال حجم القوات الناقص لمواصلة القتال المطول.

إن إلغاء إعفاء من “توراته مهنته” سيحول على الفور أكثر من 60 ألف شاب حريدي إلى ملزمين بالتجنيد، لكن تجنيدهم، عملياً، سيكون على الأقل معقداً مثل العملية التي تبتعد في رفح: أي شخص يعتقد أن التغيير في سياسة الحكومة يكفي لقسم من طلاب المدارس الدينية للتجنيد والدخول في دائرة القتال في غضون بضعة أشهر هو واهم. في إسرائيل، صحيح أن التجنيد هو أمر معتاد، لكنه يتم طواعية. لا يملك “الجيش” الإسرائيلي القدرة على فرض التجنيد الإلزامي على جمهور بأكمله يرفض الخدمة.

يعرف غالانت أن عدم إمرار قانون الإعفاء لن يحل أزمته في الحرب الحالية، وربما حتى في هذا العقد. كما أنه لن يضخ أكثر من جرعة صغيرة عابرة من الروح المعنوية لجنود الاحتياط الذين أكملوا قبل بضعة أسابيع أربعة أشهر فقط من الخدمة التي بدأت مع اندلاع الحرب – وتلقوا بالفعل أوامر التحاق في الربيع أو الصيف المقبلين. إن المعضلات الصعبة التي يواجهونها عندما يطلب منهم مراراً وتكراراً ترك أسرهم، وتعريض الأعمال التجارية التي استثمروا فيها كل طاقتهم ورأس مالهم للخطر، والتغيب عن وظائفهم ومؤسساتهم التعليمية، لن تصبح أسهل لمجرد أن قانون الإعفاء لن يمر. هذا أيضاً يجب أن يعرفه غالانت.

خلاصة القول هي أنه يبدو أن غالانت قد توصل إلى استنتاج حتمي مفاده أنه مع أعضاء الائتلاف الحالي، ليس فقط من المستحيل تحقيق تجنيدٍ متساوٍ، بل إنه بصورة مباشرة من المستحيل الاستمرار في شنّ الحرب، على الأقل ليس بالطريقة التي يعتقد أنه ينبغي إدارتها.

إن سعي بنيامين نتنياهو إلى أزمة علنية مع الإدارة الأميركية، واستخدامه المتهكم لعملية رفح، التي ليس “الجيش” الإسرائيلي في عجلة من أمره للشروع فيها، ورفضه مناقشة أي خطة واقعية لليوم التالي في غزة، يمنع “الجيش” الإسرائيلي من التخطيط للأشهر القادمة من القتال، وربما السنوات القادمة من القتال أيضاً.

قبل عام بالضبط، عندما أعلن غالانت أنه لن يصوت لصالح تشريع الانقلاب على النظام، لم يفعل ذلك بسبب إيمانه العميق بالحاجة إلى محكمة عليا قوية ومستقلة، بل بسبب القلق من التأثير المدمر على تماسك “الجيش” الإسرائيلي. حتى الآن، ليس لدى غالانت مشكلة حقيقية مع استمرار عدم المساواة في التجنيد. وطالما سُمح له بمواصلة القتال كما يراه هو وهيئة الأركان العامة مناسباً، ليس من المستبعد أن يستمر في “ابتلاعه”. تماماً كما ابتلع الوعد الأصلي للأحزاب الحريدية في اتفاق الائتلاف.

يدرك غالانت أنه بعد ما يقرب من ستة أشهر من القتال، فإن الحكومة الحالية لا تريد وغير قادرة على تحديد أهداف واضحة للآتي لـ”الجيش” الإسرائيلي. هذا هو السبب في أنه يحاول دفع الائتلاف إلى نهايته، على قضية يوجد حولها إجماع شعبي نادر. هذه المرة، هذا ما يعلمه، لن يتمكن نتنياهو من إقالته أيضاً.

حتى الآن، الحاخامات الحريديم يخدمونه. تصريح الحاخام الأكبر إسحاق يوسف بأن طلاب المدارس الدينية سوف يسافرون إلى الخارج ولن يجندوا، والذي دعمه على الفور الحاخامات الأشكناز، لا يترك أي مخرج للذين يمثلونهم في الحكومة.. لقد أصبح الحادث عرضاً للأيديولوجية الحريدية التي لا تساوم، الأمر الذي يسهل على غالانت التمسك بموقفه – وربما يدفع أيضا بيني غانتس العالق إلى تشديد مواقفه.

ومع ذلك، ليس هناك يقين من أن الأزمة ستدفن الحكومة. يمكن لنتنياهو وحلفائه الموافقة على أي نسخة من القانون، حتى من دون دعم وزير الأمن، حتى لو كان ذلك فقط لمحاولة كسب الوقت في المحكمة العليا، على الرغم من أن فرص نجاحهم في الحصول على 61 صوتاً من أعضاء الائتلاف في جلسة الكنيست المقبلة ليست مضمونة على الإطلاق.

حتى لو لم يتم إمرار القانون وأصبح الحريديم مجندين إلزاميين وحتى تم إيقاف ميزانيات المدارس الدينية، فإن هذا لا يفرض انسحاب الحريديم من الحكومة. لا يزالون يتمتعون بقوة كبيرة وميزانيات بالمليارات، ويمكن لنتنياهو دائماً أن يقول إنه حاول. حتى لو انسحبوا من الائتلاف، فهذا لا يعني أنهم سيصوتون مع المعارضة لحل الكنيست. في الوقت الراهن، فإن فرص تشكيل حكومة أكثر راحة لهم ضئيلة. لكن غالانت ليس لديه ما يخسره. إنه يعلم أنه مع هذه الحكومة، فإن “الجيش” الإسرائيلي – حتى لو جنّد الآلاف من الجنود الحريديم – لن يهزم حماس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى