الراعي من حريصا مفتتحًا الشهر المريمي: لتوحيد الكلمة في قضية عودة النازحين وعدم الرضوخ للضغوط الدولية
ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، قداس عيد سيدة لبنان وافتتاح الشهر المريمي، في بازيليك سيدة لبنان – حريصا، عاونه فيه المطرانان انطوان نبيل العنداري وانطوان عوكر، الرئيس العام لجمعية المرسلين اللبنانيين الموارنة الآباتي مارون مبارك، رئيس مزار سيدة لبنان الاب فادي تابت، ومشاركة عدد من المطارنة والكهنة والراهبات، في حضور النائب السابق نعمة الله ابي نصر، وحشد من الفاعليات والمؤمنين.
بعد الانجيل المقدس، ألقى البطريرك الراعي عظة بعنوان: “قالت ليسوع أمّه: ليس عندهم خمر، وللخدم: افعلوا ما يقوله لكم” (يو 2:4-5). وقال: “هذا الظهور الأول لمريم أمّ يسوع في حياته العلنيّة بعد ثلاثين سنة من حياة عادية في الناصرة، عاملاً في النجارة مع أبيه يوسف، كان في عرس
قانا الجليل القريبة من مدينة صور. وقد دُعيت إليه مع يسوع وتلاميذه. في هذا العرس انكشفت ثلاثة: إهتمام مريم بحاجة العروسين إلى خمر، وساطتها القديرة لدى ابنها يسوع، إيمانها بأنّه لا يردّ لها أي طلب أو رغبة. بهذه الصفات “قالت ليسوع: ليس عندهم خمر، وللخدم: افعلوا ما يقوله لكم” (يو 2:4-5)”.
أضاف: “يسعدنا أن نحتفل معاً بهذه اللّيتورجيا الإلهية تكريمًا لأمّنا مريم العذراء، سيدة لبنان، في عيدها هذا الأحد الأوّل من شهر أيّار المخصّص لتكريمها. وقد جرت العادة منذ تأسيس مزار سيدة لبنان سنة 1904، أي منذ 120 سنة، أن يحتفل البطاركة بهذا العيد. ويسعدني شخصيّاً أن أواصل هذا التقليد المبارك بإقامة الذبيحة الإلهيّة وافتتاح احتفالات شهر أيّار في بازيليك سيدة لبنان. وها الحجّاج يتوافدون من جميع المناطق اللبنانية لتكريم أمنا السماوية، والمؤمنون والمؤمنات في لبنان والنّطاق البطريركي وعالم الإنتشار يشاركون في هذه الإحتفالات عبر وسائل التواصل الإجتماعي، متجدّدين في الإيمان، وثابتين في الرّجاء، ومتّقدين بالمحبّة لمريم امّنا السّماوية. جميعهم جاؤوا وصلّوا، وغيرهم سيتوافدون طيلة هذا الشّهر المبارك ونحن معهم وبينهم، طارحين حاجاتنا على مريم سيدة لبنان، راجين وساطتها لدى إبنها ونحن واثقون بأنه يلبّي طلبها، كما جرى في عرس قانا الجليل”. ظهرت بوضوح في عرس قانا وساطة مريم كما يسمّيها آباء الكنيسة (راجع الدستور العقائدي في الكنيسة، الفصل 8، عدد 62). يعلّم المجمع الفاتيكاني الثاني أن “الوسيط بين الله والبشر واحد وهو الإنسان يسوع المسيح الذي بذل نفسه فداء عن الجميع”(1طيم 5:2 – 6). لكن مهمّة مريم كأم نحو البشر لا تحجب ولا تُفقد البتة من وساطة المسيح الوحيدة، بل تُظهر قوتها، وتؤيد اتّحاد المؤمنين المباشر بالمسيح (راجع المرجع نفسه، عدد 60). وفي الواقع إلتجأت إليه كوسيط لحلّ مشكلة نفاد الخمر”.
وتابع الراعي: “ظهر اهتمام مريم في كونها لاحظت نفاد الخمر في عرس قانا. وكأم حنون التجأت الى إبنها يسوع ليَصنع شيئاً ما لإخراج العروسين من هذا المأزق. أنها أمنا الحنون. فكما اختيرت أماً حنوناً للفادي الإلهي المولود منها بالجسد، كذلك هي أيضاً شريكته السخية في عطاياه أكثر من الجميع، وفي الوقت عينه هي خادمة الرب المتواضعة. فجسّدت هذه الخدمة في عنايتها بالخروج من مشكلة نفاد الخمر. وانها تسهر من سمائها بمحبة الأم على إخوة إبنها وعلينا نحن المسافرين على هذه الأرض وسط المخاطر والضيقات نحو الوطن السماوي، وتنال لنا نعم الخلاص الأبدي(راجع المرجع نفسه، عدد 61-62)”.
وأردف: “لما قالت مريم للخدم: “إفعلوا ما يقوله لكم”(يو 5:4)، ظهر إيمانها الكبير بيسوع إبنها بأنه لا يردّ لها طلباً أو رغبة. فاعتبر بدوره مشكلة العروسين قضيته الشخصية، وقرر إجراء المعجزة ولو “أن ساعته لم تكن قد أتت بعد”(يو 4:4). ولا عجب، وربنا يسوع قال يوماً: “أنا بينكم كالخادم”(لو 27:22)، وفي موضع آخر: “إبن الإنسان لم يأت ليُخدم بل ليَخدم”(متى 28:20). فلنجلس في مدرسة مريم لنتعلم هذه الصفات الثلاث ونتربّى عليها. نصلي متشفّعين بعضنا لبعض، ونعتني بحاجات الأخوة، ونسعى إلى مساعدتهم لتأمينها، متكلين على عناية الله لمساعدتهم بنعمته على تحملها وفتح باب الفرج أمامهم. كلنا بحاجة إلى هذه الصفات الإنسانية الثلاث: صلاة التشفّع، والإهتمام بحاجات الغير، والسعي بإيمان إلى تلبيتها”.
وقال: “كلنا في لبنان، مسيحيين ومسلمين، نكرّم السيدة العذراء مريم، حتى أننا جعلنا ذكرى بشارتها في ٢٥ آذار من كل سنة عيداً وطنياً نحيي فيه ومعاً هذا التكريم. لكن التكريم الحقيقي هو الإقتداء بفضائلها، وصفاتها الثلاث التي ذكرناها وهي:
التشفّع إلى الله من أجل خير الناس، والإهتمام بحاجاتهم بروح التضامن والتآخي، والسعي الشخصي إلى المساهمة في تلبية هذه الحاجات، إذا زيّنت هذه الفضائل والصفات نفوسنا، ولا سيما نفوس المسؤولين والسياسيين، لتبدّل أداءهم وتعاطيهم الشأن العام، وبخاصة ضميرهم الوطني والإنساني.
أولاً، إلى الإسراع في إنتخاب رئيس للجمهورية من أجل سلامة الجسم الوطني بعودة المؤسسات الدستورية إلى طبيعتها وصلاحياتها، وإخراج الدولة من حالة الفوضى والتعدّي على فصل السلطات.
ثانياً، إلى الإسراع في إيقاف الحرب على جنوب لبنان، ووضع حدّ لهدم المنازل، وتدمير المتاجر، وإحراق الأرض ومحاصيلها، وقتل المدنيين الأبرياء وتهجيرهم وإتلاف جنى عمرهم في ظرف إقتصادي سبق وأفقرهم.
ثالثاً، إلى توحيد الكلمة في قضية تأمين عودة النازحين واللاجئين السوريين إلى وطنهم وعدم الرضوخ للضغوط الأوروبية والدولية وأساليبها المغرية بهدف تجنّب عودتهم وإبقائهم في لبنان لأهداف سياسية ليست لصالحهم ولا لصالح لبنان. إن مصلحة هؤلاء المحافظة على وطنهم وتاريخهم وثقافتهم وحضارتهم وممتلكاتهم. فنقول لهم: المجتمع الأوروبي والدولي يستعملكم لأغراض سياسية ليست لخيركم. لا تستبدلوا وطنكم بمغريات بقائكم في لبنان. ولا تبادلوا الإستضافة اللبنانية بالإعتداء على اللبنانيين والقوانين”.
ودعا الى “الالتزام بتطبيق القوانين والمواثيق من مثل: تطبيق اتفاق الطائف نصًا وروحًا ولاسيما اللامركزية الإدارية، الحفاظ على المشاركة المتساوية في الحكم والإدارة، لتنفيذ الفانون الصادر عن مجلس النواب في 7 أيلول 2017، باستحداث محافظة تاسعة تضمّ قضاءي كسروان وجبيل، بإصدار المراسيم التطبيقية في ضوء التعميم الحكومي الصادر في 16/5/2013، والذي يطلب من الوزراء إعداد مشاريع النصوص القانونية اللازمة، اجل نصلي لكي ينعم المسؤولون عندنا بما تعلمنّا امنا مريم من صفات وفضائل المجتمع البشري ان يعيش بدونها في سلام”.
وختم الراعي: ” الى امنا مريم العذراء، سيدة لبنان، نكل وطننا التي هي سيّدته، ونحن نرى فيها الحماية من كل سوء، ونضع فيها كل الثقة بأنها تحمي لبنان وشعبه من السقوط في المكروه. فنرفع المجد والتسبيح والشكر للثالوث القدوس الذي اختارها، الآب والابن والروح القدس، آمين”.