لبنان

الحملة على الشركات المستوردة للنفط: حين يُعرف السبب يبطل العجب!

منذ فترة غير بعيدة والشركات المستوردة للديزل والبنزين تتعرض لحملة مشبوهة وممنهجة لضرب سمعتها وذلك بإتهامها بتهريب مادتي الديزل والبنزين إلى خارج الحدود اللبنانية. ويبدو واضحاً أن الهدف من هذه الحملة هو وضع هذه الشركات، التي لا تزال تقوم بعملها في ظل الظروف الإستثنائية التي يمر بها البلد، تحت مجهر العقوبات الدولية وتوقيف أعمالها لضرب الإقتصاد اللبناني وشلّه، خصوصاً أن تجمّع الشركات المستوردة للنفط يضمّ 13 شركة خاصة تستورد مادتي البنزين والديزل لبيعها في السوق اللبنانية. وهذه الشركات لها منشآتها ومصباتها الخاصة على طول الشاطئ اللبناني.
 
في سياق تحقيق خاص قامت به “النهار”، تبين أن هذه الحملة “المشبوهة” في توقيتها وخلفياتها وتستدعي جملة من الأسئلة لعل أبرزها: هل المطلوب ضرب الأمن الإقتصادي- الإجتماعي خصوصاً في ظل الظروف الإستثنائية التي تمر بها البلاد؟ وهل المطلوب ضرب سمعة الشركات في الخارج لغاية في نفس يعقوب؟ ولماذا شن الحملات على قطاع له باع طويل من العمل في لبنان يصل الى 100 عام تقريباً وفيه، إلى الشركات اللبنانية 100% أو يملك غالبية اسهمها، مستثمرون أجانب وشركات كويتية وسعودية وفرنسية وانكليزية، عدا عن أنه يوظف نحو 5 آلاف عامل وموظف بشكل مباشر و20 ألف شخص على نحو غير مباشر، ولماذا تزامنت هذه الهجمة على الشركات مع فتح ملف الفيول المغشوش؟ ولماذا الحديث عن التهريب إلى سوريا بالتزامن مع بدء تطبيق قانون “قيصر”، والحديث عن “إمكان فرض عقوبات” على هذه الشركات.
 
خيوط المؤامرة باتت واضحة بدءاً من المصدر الذي تورط أخيراً بملفات نفطية استدعت تواريه عن الأنظار وبات هدفه إغراق القطاع بكامله على قاعدة “هدم الهيكل على رؤوس الجميع” بغض النظر عما قد يسببه من هدم لبنية الوطن الإقتصادية والإجتماعية، إلى “الأبواق المأجورة” التي تبث الشائعات لضرب سمعة الشركات ومؤسسة الجيش اللبناني في سبيل حفنة من الدولارات، علما أن صدقية هذه الحملات يؤكدها فقط المعنيون الرسميون وهي جاءت لمصلحة الشركات الخاصة ومنشآت النفط التابعة للدولة اللبنانية إذ أصدر الجيش اللبناني بيانا أكد فيه أن الحدود ممسوكة، وكذلك أكد كل من وزير الطاقة وممثل مصرف لبنان في اجتماع لجنة الطاقة النيابية أن الشركات المستوردة والمالكة للمنشآت والخزانات على الشاطىء، ومنشآت النفط في الزهراني وطرابلس، كلها مؤسسات محترمة ولا تقوم بأعمال تهريب بدليل أنها خاضعة لمراقبة وزارة الطاقة والمديرية العامة للجمارك التي أكدت بدورها مراراً أن الشركات لا يمكنها تهريب المازوت إلى سوريا، خصوصاً إذا أخذنا في الإعتبار، بعد تحققنا منها، الآلية التي تعتمدها دائرة الجمارك للتأكد من وصول كميات المازوت إلى الزبائن في لبنان. فمندوب الجمارك يدقق بالقسائم التي تصدرها الشركات مرفقة بكتاب مفصل عن كل زبون وعنوانه ورقم هاتفه، كما تحدد ساعة الخروج من الشركة وساعة الوصول إلى الزبون وفي أي منطقة.
وفي حال حصول عطل تتبلغ الجمارك رقم الصهريج وفي أي منطقة حصل العطل، علما أنه بعد الساعة الخامسة يحظر إرسال البضائع إلى محافظتي عكار والبقاع، مع التشديد على كل الموزعين التعهد ببيع مادتي المازوت والبنزين إلى زبائنهم من المحطات والمولدات والمصانع والمزارعين والأفران والمستشفيات فقط.
 
وإذا كانت الشركات غير معنية أو متورطة بالتهريب، إلا أن ذلك لا يمنع السؤال عن مصير آلاف الأطنان من المازوت التي تُسحب من السوق بطريقة تستدعي الشكوك؟ إلا أن الجواب عن هذا السؤال نجد تفاصيله عند محال الحدادة التي تتلقى طلبات هائلة من المواطنين وغيرهم من أصحاب المهن الصناعية لشراء “خزانات” سعتها ما بين 25 ألف ليتر و50 ألفاً، خوفاً من انقطاع هذه المادة أو ارتفاع سعرها لاحقاً. كما لا يمكن إغفال الكميات الزائدة التي تطلبها السوق بسبب ازدياد ساعات التقنين من قبل مؤسسة كهرباء لبنان. ولا يمكن غض النظر عن عمليات تهريب محدودة من أفراد بغية الإفادة من ربح ما، وهو أمر يمكن أن يحصل في كل دول العالم، وما عمليات التهريب التي تحصل بين كندا والولايات المتحدة وبين الأخيرة والمكسيك إلا دليل على ذلك.
 
ولكن ماذا في تفاصيل الحملة؟
 
بدأت الحملة بترويج فيديو لصهاريج تابعة لشركة “كورال” والادعاء زوراً أنها متجهة إلى سوريا، ثم توالت الأخبار والصور الزائفة والمقالات في المواقع الإلكترونية المحلية والعربية، بعضها تحت أسماء وهمية وبعضها الآخر بأسماء معروفة، تتهم شركات “ميدكو”، “هيبكو”، “ليكويغاز”، “يونيترمينل”، “كورال”، و”توتال”، بالتهريب إلى سوريا. واللافت أن الحملات لم تقتصر على الشركات الخاصة بل تعدتها إلى منشآت النفط في طرابلس والزهراني التابعة للدولة اللبنانية ومؤسسة الجيش اللبناني التي تم اتهامهما بالفساد أيضاً.
 
الإفتراءات تنوعت بين تداول فيديوات تظهر صهاريج تابعة لشركة “كورال” تسير على طريق منطقة النبي شيت في مشهد ليس بغريب في الأيام العادية، لكن بعض الجهات تعمدت من خلال أحد الأشخاص من أصحاب السوابق تشويه الحقائق والزعم أن هذه الصهاريج تنقل مادة الديزل والبنزين إلى خارج لبنان ونشرها على شبكات التواصل الإجتماعي، ومن ثم عاد وتراجع عنها في اليوم التالي بعد تفشّيها. ومن ثم تم التجني على شركات هيبكو، ليكويغاز، ويونيترمينل بالتهريب إلى سوريا. وتوسع أيضاً في الموضوع نفسه بحملة على شركة ميدكو، وانتهت الشائعات بالتجني على شركة توتال بالتهريب والجيش اللبناني بالفساد.
 
المفارقة انه بعد كل رأي أو مقال كان ينشر، يتم سحبه من مصدره بعد التأكد من ترويجه على وسائل التواصل الإجتماعي.
 
أمام هذه الوقائع، بدل الترويج للإفتراءات والشائعات وفبركة الأخبار السيئة والمضرة باقتصاد البلاد واستمرار الشركات في القطاعين العام والخاص التي تحتضن آلاف العائلات وتعتاش منها، المطلوب من المعنيين تكذيب هذه الشائعات وتبيان الحقيقة الضائعة بين بريء من تهم ترمى عليه بالجملة ومضلل يسخّر صلاته في مواقع النفوذ لتشويه الحقيقة وإبعاد سيف العدالة عن عنقه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى