كيف ستتعامل دول العالم مع عملة “فيسبوك” المرتقبة؟
بعد تحفظات الاتحاد الأوروبي، الصين، اليابان على خطط “فيسبوك” لإطلاق عملتها الرقمية “ليبرا” في الربع الأول من العام 2020، أدلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب بدلوه في تغريدة أكد فيها على أن العملة الرسمية الوحيدة في الولايات المتحدة هي الدولار، داعياً “فيسبوك” إلى الالتزام بمعايير المصارف وآليات عملها إذا ما أرادت إطلاق عملة جديدة.
لكن تصريح ترامب لا يدلّ بالضرورة على مشكلة غير منظورة بالنسبة للشبكة الاجتماعية الأكبر في العالم، فأداء الرئيس الأميركي بات متوقعاً لناحية الضغط ورفض أي مشاريع بغية تحصيل مكاسب أعلى، مع العلم أن مؤسس “فيسبوك” وفريقه لم يعلنوا عن حطتهم لإطلاق العملة الجديدة إلا بعد محادثات عديدة مع الخزانة الأميركية، وسلطات أخرى في واشنطن ولندن وطوكيو والعواصم الأوروبية.
ومع ذلك، لا يمكن البناء على المواقف الحالية لجميع الأطراف الدولية كون خطط “فيسبوك” بشأن عملتها المرتقبة ليست نهائية بعد، وهي تخضع للتطوير بشكل واسع قبيل موعد الإعلان الرسمي عن إطلاقها.
أمام هذه الصورة الضبابية، يناقش المسؤولون الأميركيون والأوروبيون والآسيويون خيارات دولهم في مواجهة “ليبرا”. فما هي الخطوط العامة لهذه الخيارات؟..
يكمن التحدي الأول الذي تطرحه عملة “فيسبوك” أمام الاقتصاد العالمي في النموذج الفريد الذي تبنيه الشبكة الاجتماعية العملاقة، حيث ستتحول المنصة الزرقاء إلى شركة إعلانية ضخمة تقدم خدمة التحويل المالي عبر محافظ الكترونية في مساحة افتراضية واحدة تجمع كل البيانات الناتجة عن نشاطات المستخدمين.
ولن يكون سهلاً أمام الحكومات منع المستخدمين من اعتماد هذا النظام المالي المبتكر كونه من السهولة بمكان يجذب جميع البشر لإعتماده، إذ يكفي أن يحظى أي مستخدم بحساب على تطبيق المحادثة “واتساب” أو “مسنجر” كي يكون قادراً على الدفع والقبض مباشرة إلى حساب مشفّر يمثلّ محفظته الرقمية.
بكلمات أخرى، تنحو “فيسبوك” باتجاه التأثير على كل السياسات المالية العالمية التي تضبط عادة الأرقام والظواهر الاقتصادية كون الحكومات عادةً هي من تمتلك السيطرة المركزية على التعاملات المالية، ولكنها هذه المرة ستفقد هذه السيطرة لصالح طرف ثالث من القطاع الخاص، و إن كان هذا الطرف خاضعاً للقوانين الأميركية.
وبالفعل سارعت جهات تشريعية مالية دولية إلى الاستنفار فور صدور الأنباء عن “ليبرا”، فدعت فرنسا إلى تأليف قوة خاصة من مجموعة الدول السبعة تهتم بالعملات الرقمية، وحذّرت مصارف مركزية من خلل قد يصيب النظام المالي العالمي بأسره، نظراً لعدد مستخدمي “فيسبوك” وخدماتها، والذي يفوق المليارين ونصف مليار مستخدم.
وأمام قوة “فيسبوك” التي تعتمد على “حاجة” مستخدميها وسهولة خدماتها، سرعان ما ستجد الحكومات نفسها أمام دور الرقابة لاستعادة السيطرة، أي أنّ جلّ ما يمكن للدول فعله المطالبة بحماية خصوصية بيانات المستخدمين وإبداء القلق إزاء سياسات “فايسبوك”، تماماً كما تفعل حالياً في قضايا أخرى محل إهتمام عالمي كالأخبار الزائفة او الخصوصية نفسها، بعد أن توصلت العديد من حكومات الغرب إلى أنها غير قادرة على التصدّي لمعالجة هذه المسائل، فوضعت سياسات عامة تلاحق بها كبرى الشركات كـ”غوغل”، “فيسبوك”، “مايكروسوفت” ومثيلاتها من دون أن تكون هذه السياسات قادرة على تقديم معالجة جذرية أو حلول نهائية.