لبنان

الرئيس عون: لبنان يخوض اليوم حرباً من أشرس الحروب

أكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أن الإستقلال والجيش “ولدا معاً، بفارق زمني بسيط، ترافقا وعاشا حلو الأيام ومرّها، وسعى الجيش جاهداً، وبكل ما أوتي، طوال تلك السنوات أن يحفظ الإستقلال ويحميه من كل المتربصين به.”   ولفت الرئيس عون إلى أنه “ابن هذه المدرسة، تعلّمت منها أن الاستسلام ممنوع، تعلمت منها أن نحفر الصخر لنفتح طريقاً، تعلمت أن نسير بين الألغام لننقذ جريحاً. الجريح اليوم هو الوطن، وعهدي لكم أن أبقى سائراً بين الألغام، وأن استمر في حفر الصخر لفتح طريق إنقاذه، والأكيد أن الإستسلام لا مكان له في مسيرتي.”

وقال الرئيس عون إن لبنان يخوض اليوم حرباً من أشرس الحروب، ضد أكثر من عدو منها الفساد المستشري، ومن يتلاعب بلقمة عيش المواطنين وضرب العملة الوطنية، ومن يطلق الشائعات لنشر اليأس ويجول دول العالم محرّضاً ضد وطنه وأهله وناسه، إضافة إلى فيروس “كورونا”.

وأضاف أن الإنتصار في هذه الحرب “هو على همتنا جميعاً دولة ومواطنين، لكل دوره، فإن أحسن القيام به يصبح الخلاص ممكناً. أما الوقوف جانباً وإطلاق النار على كل محاولات الإنقاذ، وتسجيل الإنتصارات الصوتية خصوصاً ممن تهرّبوا من المسؤولية في خضم الأزمة فلا “يُسمن ولا يغني من جوع”.

مواقف الرئيس عون جاءت خلال الكلمة المتلفزة التي وجهها عند العاشرة قبل ظهر اليوم إلى ضباط خريجي دورة “اليوبيل الماسي للجيش” والعسكريين واللبنانيين لمناسبة عيد الجيش في الأول من آب، ونقلتها وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، وذلك بعد إلغاء قيادة الجيش الإحتفال بالمناسبة والذي كان مقرراً إقامته في الكلية الحربية في الفياضية بسبب تفشي وباء “كورونا”.

وفي ما يلي نص كلمة رئيس الجمهورية:   “أيها الحضور الكريم، كان مفترضاً أن تجمعنا هذه الكلية مرة جديدة ليقف أمامنا في ساحتها شبّان من خيرة الشباب، ينتظرون بتلهف أن تنطلق حناجرهم مردّدة “والله العظيم”، وهي تقسم يمين القيام بالواجب كاملاً حفاظاً على علم البلاد وذوداً عن الوطن، إلا أن ظروف الحجر الصحي التي يفرضها تفشي وباء كورونا حالت للأسف دون ذلك.

أيها الضباط الخريجون، اخترتم لدورتكم اسم “اليوبيل الماسي للجيش”، تخليداً للعيد الخامس والسبعين لجيشنا. بعد أن اختار زملاؤكم السنة الماضية تخليد العيد الخامس والسبعين للإستقلال. نعم استقلالنا وجيشنا ولدا معاً، بفارق زمني بسيط، ترافقا وعاشا حلو الأيام ومرّها، وسعى الجيش جاهداً، وبكل ما أوتي، طوال تلك السنوات أن يحفظ الإستقلال ويحميه من كل المتربصين به.

خمسة وسبعون عاماً مضت، كانت لجيشنا فيها محطات مجيدة وحقق انتصارات مذهلة وبإمكانات محدودة، ولكنه أيضاً عاش محطات مرهقة؛ أضنته حروب الآخرين على أرضنا وعليه، شرذمته حروب الداخل، أضعفته قوة الميليشيات، ومورست عليه شتّى أنواع الإبتزاز، ولكن ولاءه للوطن كان دوماً الصمغ الذي يعيد التحامه، ومناقبيته كانت الدرع الذي يحميه من الإنزلاق. وقد علّمتنا تلك التجارب القاسية أن الجيش هو قلب الوطن ولا جسد يبقى إذا ضُرب قلبه. ولذلك ظل يشكّل الأمل للبنانيين، وحصن الأمان كيفما تقلّبت الأحوال.

اليوم، أنتم تختتمون مرحلة من حياتكم تلقيتم فيها كل أنواع التدريب والتعلّم وفنون القتال، للدفاع عن وطنكم وشعبكم، لتنطلقوا إلى المرحلة التطبيقية وإلى الحياة العسكرية الحقيقية، وتشاء الظروف أن تتزامن انطلاقتكم مع تحدّيات وصعوبات كبيرة تواجه الوطن وشعبه ومؤسساته؛  فلبنان اليوم يخوض حرباً من نوع آخر، ولعلها أشرس من الحروب العسكرية، لأنها تطال كل لبناني بلقمة عيشه، بجنى عمره، وبمستقبل أبنائه، حيث الوضع الإقتصادي والمالي يضغط على الجميع ولم ينج منه أحد. وأعداء لبنان في هذه الحرب كثر:

العدو الأول هو الفساد المستشري في المؤسسات وفي الكثير من النفوس، وهو يقاوم بشراسة ولكن الخطوات نحو استئصاله تسير وإن يكن ببطء، ولكن بثبات.

العدو الثاني هو كل من يتلاعب بلقمة عيش المواطنين ليراكم الأرباح، العدو الثالث هو من ساهم ويساهم بضرب عملتنا الوطنية ليكدّس الأموال، العدو الرابع هو كل من يطلق الشائعات لنشر اليأس وروح الإستسلام، وأيضاً من يجول دول العالم محرّضاً ضد وطنه وأهله وناسه ومحاولاً حجب أي مساعدة عنهم.

أضف إلى ذلك عدو خفي على شكل فيروس، هاجم البشرية جمعاء ولما يزل، مخلفاً الضحايا وضارباً اقتصاد العالم، ونال لبنان قسطه من هذه الهجمة وسقط لنا ضحايا وزادت أزمتنا الإقتصادية تفاقماً، وها هو يمنعنا اليوم من اللقاء.

إن الانتصار في هذه الحرب هو على همتنا جميعاً دولة ومواطنين، لكل دوره، فإن أحسن القيام به يصبح الخلاص ممكناً. أما الوقوف جانباً وإطلاق النار على كل محاولات الإنقاذ، وتسجيل الإنتصارات الصوتية خصوصاً ممن تهرّبوا من المسؤولية في خضم الأزمة فلا “يُسمن ولا يغني من جوع”. إن الخطوات الإصلاحية التي بدأ تنفيذها لمعرفة واقع المال العام وفرملة الفساد ووضع اليد على الملفات المشبوهة تمهيدا للمعالجة المناسبة وملاحقة الفاسدين، لن تتوقف عند مؤسسة واحدة بل ستنطلق منها الى كل المؤسسات، وهي ستساهم باستعادة ثقة اللبنانيين بدولتهم وأنفسهم تمهيداً لإستعادة الثقة بلبنان.

ومع إقرار الخطة المبدئية لعودة النازحين السوريين إلى بلادهم التي أصبحت بمعظمها آمنة وقادرةً على استيعابهم، تكون الدولة قد وضعت تصوراً موحداً لحل هذه الأزمة ونأمل أن تتجاوب معنا الدول المعنية لتأمين العودة الآمنة والكريمة.

أيها الضباط الخريجون   أيها العسكريون، إن إسرائيل تخرق بوتيرة متصاعدة القرار 1701، وتتوالى اعتداءاتها على لبنان، ومع تأكيد حرصنا على الإلتزام بهذا القرار وبحل الأمور المتنازع عليها برعاية الأمم المتحدة، إلا أننا ملزمون أيضاً بالدفاع عن أنفسنا وعن أرضنا ومياهنا وسيادتنا، ولا تهاون في ذلك. واجبكم أن تظلوا العين الساهرة على السيادة اللبنانية في وجه الأطماع الإسرائيلية، وعين أخرى على كافة الحدود والداخل منعاً من تسلل الإرهاب إلينا مجدداً، فمن طرد الإرهابيين من سهولنا وجبالنا لا يجب أن يسمح لهم بالعودة اليها متنكرين بلباس آخر ومسمّى آخر.

أيها اللبنانيون، أنا ابن هذه المدرسة، تعلّمت منها أن الإستسلام ممنوع، تعلمت منها أن نحفر الصخر لنفتح طريقاً، تعلمت أن نسير بين الألغام لننقذ جريحاً.

الجريح اليوم هو الوطن، وعهدي لكم أن أبقى سائراً بين الألغام، وأن استمر في حفر الصخر لفتح طريق إنقاذه، والأكيد أن الإستسلام لا مكان له في مسيرتي.

أيها الضباط، لطالما كانت البذلة المرقطة عامل ثقة وطمأنة لكل اللبنانيين، فكونوا المثال والقدوة، بالمناقبية العسكرية، بالتعاطي الأخلاقي مع رفاقكم ومع المواطنين، وبالولاء للوطن، وله وحده. وفقكم الله وحماكم عشتم وعاش لبنان”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى